كتب هذه البشارة رجل يهودي من الجليل اسمه متى، وهو لاوي بن حلفي (مر ٢: ١٤) استوطن كفرناحوم وكان عشاراً، أي جامع الضرائب للرومان. دعاه المسيح وهو يمارس وظيفته (مت ٩: ٩). وتستحق هذه البشارة أن تُسجَّل قبل غيرها في العهد الجديد، لأنها توضح العلاقة بين العهدين القديم والجديد، أي بين الشريعة والإنجيل.
الأرجح أن تلك البشارة كُتبت لقراء الرومانيين مع أنها كتبت باللغة اليونانية. أن هذه البشارة تمتاز عن بقية البشائر بأنه لم يُذكر فيها سوى قليل من مواعظ المسيح بالنسبة إلى ما ذكره غيره منها. هذه البشارة امتازت عن سار البشائر ببذل كاتبها عنايته في بيان أسماء الأشخاص والأماكن والازمنة والعدد حتى يتمكن القارئ أن يتصور ما ذكره مرقس كأنه حدث أمامه.
كاتب هذه البشارة لوقا واسمه هذا مختصر لوقانوس أو لوسليوس. ذُكر في الرسائل ثلاث مرات (كولوسي ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ٤: ١١ وفليمون ٢٤). وهو كاتب سفر أعمال الرسل. قال بعضهم أنه لم يكن يهودياً أصيلاً بل ممن هادوا من الأمم وسُموا دخلاء لأن بولس عندما ذكر أصحابه في رومية الذين من الختان أصلاً والذين ليسوا من الختان كذلك لم يذكر لوقا مع الأولين بل ذكره مع الآخرين (قابل كولوسي ٤: ١١ مع كولوسي ٤: ١٤). ولنا عدة أدلة على أنه كان دخيلاً. منها أنه كان عالماً بكل عوائد اليهود وطقوسهم. ومنها أن اليهود عندما هيجوا الشعب على بولس في أورشليم إنما أتوا ذلك لأنه أدخل معه واحداً من الأمم وهو تروفيموس الأفسسي (أعمال ٢١: ٢٧). ولكن لوقا كان معه ولم يعترض أحد عليه بشيء من شأنه ولو لم يكن دخيلاً مختتناً لم يسكتوا عنه. وكان طبيباً كما ظهر من قول بولس لأهل كولوسي (كولوسي ٤: ١٤) ولم يكن شاهد عين بما ذكره في إنجيله ولا خادماً للإنجيل من أول انتشاره بدليل ما جاء في كلامه (لوقا ١: ٢) وإلا كان قد بنى ما ذكره على مشاهدته.
أجمعت الكنيسة المسيحية على أن كاتب هذه البشارة يوحنا الرسول. وهو ابن زبدي وسالومي. لم يكتب يوحنا هذه البشارة لمخصوصين من اليهود أو الرومانيين أو اليونانيين بل للمؤمنين بالمسيح من كل أمة لكي يثبتهم بيسوع ابن الله نور العالم وحياته كما يظهر من قوله «وَأَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يوحنا ٢٠: ٣١). ولم يذكر في هذه البشارة الضلالات التي كانت قد دخلت في الكنيسة يومئذ لكنه وجه كلامه إلى إبطالها.
كاتب هذا السفر لوقا كاتب البشارة الثالثة. غاية هذا السفر بيان أن المسيح أنجز وعده بإرسال الروح القدس بإنشاء الكنيسة ومدها بين اليهود والأمم في المملكة الرومانية مبتدأة من أورشليم منتشرة من مدينة إلى مدينة في تلك المملكة حتى بلغت رومية. كُتب هذا السفر إلى ياثاوفيلوس وهو رجل شريف يوناني عالم مؤمن بالمسيح. والأرجح أنه كُتب أيضاً لفائدة المؤمنين من اليهود والأمم عامة. وإنما قدمه لذلك الرجل إكراماً كالعادة الجارية عند المؤلفين يومئذ وفي هذه الأيام. من فوائد هذا السفر غير ما ذكرناه في غاية كتابته ونسبته إلى ما كُتب قبله وما كُتب بعده من العهد الجديد تاريخ كنيسة المسيح في طفوليتها وكيفية نشوئها وانتظامها وكيفية تحرر أعضائها رويداً رويداً من رق الطقوس اليهودية وتمتعهم بحرية الديانة المسيحية وروحيتها. ومنها بيان ما ألمّ بالكنيسة من مقاومة اليهود والأمم في بعض عصر طيباريوس الأمبراطور الروماني وكل عصر كليغولا وكلوديوس وبعض أيام نيرون وانتصارها على كل ذلك. ومنها بيان أهمية المناداة بقيامة المسيح لإثبات صحة الديانة المسيحية كما يظهر من مواعظ الرسل وتأثيرها في السامعين. ومنها زيادة ما فعله الأقنوم الثالث أي الروح القدس في عمل الفداء. فيحسن أن نسمي العهد القديم أعمال الآب والبشائر أعمال الابن وهذا السفر أعمال الروح القدس بواسطة الرسل؟ وفيه من أقوى الأدلة على صحة الدين المسيحي سرعة انتصارات ذلك الدين وعظمتها مع كثرة المقاومين وقوتهم وقلة المسعفين وضعفهم.
كان بولس قد قصد الذهاب إلى رومية منذ زمن طويل لكنه امتنع لأسباب (رومية ١: ١٣) وهو يتوقع المصير إليها بعد قليل فمهد السبيل بكتابة هذه الرسالة ولم يكن من داع إلى أن يكتبها لإزالة الشكوك أو لرفع الخصومات كما كان الداعي إلى ما كتبه إلى كنيسة كورنثوس وكنيسة غلاطية فإنه لعدم معرفته إياهم بسط أمامهم مختصر تعاليمه التي نادى بها في غير رومية وأوضح به مبادئ الإنجيل العظمى الجوهرية مما يجب أن يعتقدوه ويختبروه ويعملوا بموجبه. موضوع معظم هذه الرسالة جواب هذا السؤال كيف يتبرر الإنسان أمام الله.
كُتبت هذه الرسالة في ربيع سنة ٥٧ ب. م. في أفسس قرب نهاية السنين الثلاث التي أقام فيها بولس بها وقرب حدوث الشغب هناك وذهابه إلى مكدونية (أعمال ١٨: ٢٣-٢٠: ١ و١كورنثوس ١٦: ٨) وكُتبت قبل الرسالة إلى الرومانيين بسنة. غايات هذه الرسالة سبعٌ: ١. منع الانشقاق والتحزب في الكنيسة (ص ١: ١-١٦) وبيان أن ذلك لا يوافق نسبتهم إلى المسيح ولا نسبة بعضهم إلى بعض وأن علته الاتكال على الحكمة البشرية ودفع الرسول قول البعض أنه ليس رسولاً ولا فصيحاً ولا عالماً (ص ١: ١٧-٣٠ و٢: ١-١٦) وتبيينه أن غرضه الوحيد من المناداة بالإنجيل أن يبشر بيسوع المسيح مصلوباً (ص ٣ وص ٤). ٢. حث الكنيسة على أن تقطع من شركتها من ارتكب أفظع الرذائل وتوبيخها على تركها تأديب مثل هذا (ص: ٥: ١-١٣). ٣. نهيهم عن المحاكمة عند الأحكام الوثنيين (ص ٦: ١-١١). ٤. وجوب العفة والتحذير من الفجور (ص ٦: ١٢-٢٠). ٥. جواب الرسول على مسائل سألته الكنيسة إياها ٦. بيان التعليم الحق في المعاد الجسماني (ص ١٥). ٧. جمع الإحسان لفقراء أورشليم (ص ١٦).
كُتبت هذه الرسالة بعد بضعة أشهر من كتابة الرسالة الأولى لأنه كتبها في أثناء ذهابه من أفسس إلى كورنثوس فقال «أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ إِلَى يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ» وقال «وَسَأَجِيءُ إِلَيْكُمْ مَتَى ٱجْتَزْتُ بِمَكِدُونِيَّةَ، لأَنِّي أَجْتَازُ بِمَكِدُونِيَّةَ. وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضاً» (١كورنثوس ١٦: ٥-٨). ولعله ذهب قبل ذلك الوقت لما وقع من السجس هنالك ومكث في ترواس مدة يسيرة رغبة في لقاء تيطس (٢كورنثوس ٢: ١٢). ثم زار كنائس مكدونية المشهورة وكتب هذه الرسالة في إحداها في صيف السنة التي كتب فيها الرسالة الأولى أو في خريفها والأرجح أن تلك السنة سنة ٥٧ ب .م وذهب على أثر ذلك إلى كورنثوس وأقام بها ثلاثة أشهر. كان بولس في شديد الهم من جهة تأثير رسالته الأولى في الكنيسة لأنه وبخهم فيها على خصوماتهم وعدم إجرائهم التأديب اللازم وعلى ما ارتكبوه من التشويش في العبادة. وكان قد أرسل تيطس إلى كورنثوس لكي يخبره بتأثير الرسالة وأحوال الكنيسة وبعد ما انتهى الشغب في أفسس تركها وذهب إلى ترواس راجياً أن يجد تيطس هناك ولما لم يجده عزم على أن يعبر البحر إلى مكدونية (٢كورنثوس ٢: ١٢). وبقي هناك حزيناً خائفاً إلى أن جاء تيطس وبشره بما عزاه كثيراً وهو إن أكثر الكنيسة قبل نصحه في رسالته وأجرى ما أمر به (ص ١: ١٣ و١٤ و٧: ٩ و١٥ و١٦). وأخبره أيضاً بأنه بقي بعض الكنيسة يرفض سلطانه الرسولي واتهمه بالتقلب وضعف العزم (ص ١: ١٧). واغتابوه وعابوه بحقارة منظره وخطابه وبأنه لا يجسر على إتيان ما أنذرهم به من القصاص (ص ١٣: ٢ و٣) إلى غير ذلك من الظعن والتعريض مما الغاية منه إضعاف تعليمه وإبطال دعواه (ص ١٠: ١ و١٠ و١١: ٢٢). وكان قد قصد أن يرسل تيطس مع غيره لإكمال جمع الإحسان لفقراء كنيسة أورشليم (ص ٨: ١٦-٢٢) ولعله هو الذي حمل هذه الرسالة إليهم.
كاتب هذه الرسالة بولس الرسول بدليل قوله في بدء الرسالة «بُولُسُ، رَسُولٌ... إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ» (غلاطية ١: ١ و٢). ومما يؤيد ذلك أن أسلوبها كأسلوب سائر رسائله المعلومة واتفاق مؤرخي الكنيسة على ذلك من أول قرونها ونستبهم ما اقتسبوه منها إليه. مضمون هذه الرسالة أمران الأول محاماة الرسول عن سلطته الرسولية والثاني إثبات تعليمه الإنجيلي وإبطال تعليم متنصري اليهود القائلين بوجوب القيام بالرسوم الموسوية. وتنفسم هذه الرسالة إلى ثلاثة أقسام: الأول: تاريخي شخصي يثبت فيه الرسول دعوة المسيح إياه ليكون رسولاً ومختصر تصرفّه منذ آمن وذلك نحو عشرين سنة وإعلانه له التعليم الإنجيلي وشهادة سائر الرسل له في المجمع الأورشليمي (ص ١: ١-ص ٣: ٤). الثاني: تعليمي احتجاجي وفيه يثبت تعليم الإنجيل أن التبرير مجاني بواسطة الإيمان الحي بالمسيح وإبطال التعليم الكاذب الذي يوجب القيام بالرسوم الناموسية وأن أصحاب هذا التعليم يبدلون المسيح بموسى. الثالث: عملي يحثهم فيه على الثبوت في الحرية المسيحية وعلى إظهار المحبة الأخوية والاتحاد والتواضع وطول الأناة ويختم الرسالة بالبركة الرسولية. وخلاصة هذه الرسالة كخلاصة الرسالة إلى رومية وهي إثبات التبرير بالإيمان بدون أعمال الناموس. وتختلف الرسالة إلى الغلاطيين عن الرسالة إلى الرومانيين بأمرين: الأول: إن تعليم التبرير بالإيمان في الأولى على طريق المناظرة وفي الثانية على سبيل التعليم البسيط. الثاني: إن الرسول في الأولى يبطل الاتكال للتبرير على أعمال الناموس الموسوية وفي الثانية يبطل الاتكال لذلك على أعمال الناموس مطلقاً وأثبت في كليهما أن التبرير بالإيمان بالمسيح.
أجمع علماء الدين المسيحي على أن هذه الرسالة كتبت إلى مؤمني أفسس على ما نص في الآية الأولى وذهب أكثرهم إلى أن بولس قصد بها أيضاً إفادة الكنائس المجاورة لها ويؤيده أنه لم يسلم الرسول فيها على أحد في أفسس باسمه مع أنه كان له أصحاب كثيرون هناك لأنه كان قد أقام بها زماناً طويلاً يبشر بنجاح عظيم فلو كانت إلى مؤمني أفسس خاصة ما حسن إلا أن يسلم عليهم وأنه لا أدنة إشارة في الرسالة إلى أحوال كنيسة أفسس خاصة وأنه اقتصر فيها على مخاطبة متنصري الأمم دون متنصري اليهود. فالمرجح على ما في الآية الأولى أن الرسول قصد أولاً الأفسسيين ولا سيما متنصري الأمم بينهم وأنه كتبها على أسلوب يوافق سائر الكنائس المجاورة لهم وأراد أن تُرسل إليها ولذلك لم يكتب فيها تحية لأحد واستغنى عن ذلك بأن وكل إلى تيخيكس حامل هذه الرسالة أن يسلم عليهم شفاهاً.موضوع هذه الرسالة الكنيسة المسيحية باعتبار كونها جسد المسيح وواسطة إظهار نعمة الله وأمجاد عمل الفداء لكل الخليقة. وكلام الرسول على ذلك الموضوع قمسان الأول تعليمي أعلن فيه أن الكنيسة مختارة في المسيح ومفدية بدمه ومتحدة به ومكملة منه (ص ١: ٣-ص ٣: ٢١) والثاني عملي أُعلن فيه ما يجب على أعضاء الكنيسة وهو أن يكونوا مقدسين متحداً بعضهم ببعض سالكين كما يليق بأعضاء كنيسة المسيح الذي أُنقذوا من حال الوثنية الدنسة وارتقوا إلى مقام بنوة الله السامية (ص ٤ و٥ و٦). ومضمونها بعد العنوان والتحية العامة ثمانية أمور: الأول: تقديم الشكر لله الآب على أنه قد اختار الكنيسة بمقتضى القصد الأزلي أن تكون مقدسة محبوبة ومفدية بابنه يسوع المسيح ومتحدة به باعتبار كونه رأسها الحي ومشتملة على اليهود والأمم معاً كجسد واحد في المسيح. وفي ذلك الاختيار وهذا الاتحاد سر مجيد أُخفي عن الأجيال الغابرة وأُعلن الآن وأن لكل أقنوم من أقانيم الثالوث الأقدس يداً في إنجاز ذلك القصد (أي أن الله الآب اختار الكنيسة والابن أجرى قضاءه بعمل الفداء والروح القدس جعله مؤثراً في المؤمنين) وإن كل ذلك صدر عن نعمته العظيمة (ص ١: ٣-١٤).الثاني: صلاة من أجل زيادة معرفتهم باتحادهم بالمسيح والبركات المتوقفة على موته وقيامته وتمجيده (ص ١: ١٥-٢٣). الثالث: دعوة الأمم لكي يشتركوا بواسطة الإيمان بالمسيح في الفداء الذي اشتراه بنفسه. ووصف ذلك الفداء بكونه نجاة من الموت بالخطيئة وسلطة الشيطان وأنه منح لهم حياة جديدة في المسيح وقوة لكي يمارسوا أعمالاً صالحة (ص ٢: ١-١٠) وإنه بواسطته اتحد الأمم بشعب الله المختار قديماً إذ نقض سياج الحائط المتوسط لكي يكون لكليهما حق الاقتراب إلى الله ويكون هيكلاً حياً مبنياً على أساس واحد (ص ٢: ١١-٢٢). وإن بولس وُكل إليه خصوصاً إعلان هذا السر (سر اتحاد الأمم باليهود في كنيسة الله) الذي لم يعرف قبلاً سوى معرفة جزئية ولكن روح الله أعلنه كل الإعلان بواسطة رسله وأنبيائه «لِكَيْ يُعَرَّفَ ٱلآنَ عِنْدَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلاَطِينِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ ٱلْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُتَنَوِّعَةِ» (ص ٣: ١-١٣) الرابع: الصلاة من أجل الكنيسة لكي تدرك ذلك السر تمام الإدراك وأن تقبله بالإيمان متأصلة ومتأسسة في المحبة وتمتلئ بكل ملء الله (ص ٣: ١٤-١٩) وختم القسم التعليمي بالتسبيح لله والشكر له على نعمته بيسوع المسيح (ص ٣: ٢٠ و٢١) الخامس: (وهو بداءة القسم العملي أي الثاني من قسمي الرسالة) حث المؤمنين على أن يسلكوا كما يليق بأعضاء كنيسة المسيح متذكرين أن الكنيسة مع أنها مؤلقة من اليهود والأمم جسد واحد مملوء بروح واحد وخاضعة لرب واحد ولها إيمان واحد ومعمودية واحدة وإله وأب واحد للكل وعلى الكل وبالكل وفي الكل (ص ٤: ١-٦). ولا منافاة بين كون الكنيسة واحدة وكون إعطاء بعضها مواهب وأعمالاً مختلفة ضرورية لبنيان جسد المسيح الواحد وتكميله (ص ٤: ٧-١٦) السادس: حثهم على القيام بالواجبات المختصة بالذين يسلكون حسب الروح وأن يعتزلوا الخطايا التي اعتادوها يوم كانوا وثنيين ولا سيما شهوات الجسد والكذب والغضب والانتقام والخداع والنجاسة قولاً وفعلاً وأن يسلكوا كأولاد نور ويجتهدوا في أن يعملوا صلاحاً شاكرين الله مسبحين لاسمه بأغانٍ روحية (ص ٥: ١-٢١) السابع: تعيين واجبات مسيحية خاصة منها واجبات النساء لرجالهن وواجبات الرجال لنسائهم باعتبار نسبة الرجل إلى امرأته كنسبة المسيح إلى كنيسته (ص ٥: ٢٢-٣٣). وواجبات الأولاد والآباء (ص ٦: ١-٤) وواجبات العبيد والسادة (ص ٦: ٥-٩). الثامن: الخاتمة وفيها نصيحته الاخيرة وهي أن يتقووا في الرب لكي يجاهدوا شديد جهادهم ويحاربوا قوات الظلمة وجنود الشر لابسين أسلحة البر (ص ٦: ١٠-١٧). وطلب أن يصلوا من أجله (ص ٦: ٢١ و٢٢) والوداع والبركة (ص ٦: ٢٣ و٢٤).
لم تكن غاية هذه الرسالة دفع الضلالات في التعليم كما كانت غاية رسالته إلى الغلاطيين ولا إصلاح الخلل في السلوك كما كانت غاية الرسالة الأولى إلى كورنثوس ولا تعليم شيء في ما يتعلق بنظام الكنيسة مع أنه فيها بعض أسماء خدم الكنيسة ولا نظم قواعد الإيمان مع أنه ذكر جلال المسيح وتواضعه وأشار إلى الفرق بين الناموس والنعمة. فالغاية إظهار محبته المسيحية وشكره على ما أتاه الفيلبيون في تلك الأثناء من العطايا التي كانت علامة اعتبارهم إياه وسداً لعوزه في السجن إذ لم يكن يستطيع العمل كعادته لإعالة نفسه وإظهار عواطفه لهم كما أظهرها لأهل تسالونيكي في رسالته الأولى إليهم. ومما جعله ممنوناً لهم أكثر ما كان ممنوناً لأهل تسالونيكي أنهم أظهروا مراراً كثيرة قبل ذلك عنايتهم بحاجاته الجسدية. وأراد أن ينبئهم بما يطمئنون به من أمره علاوة على إعلان شكره لهم على عنايتهم به وبيان أنه لم ييأس لكثرة ضيقاته وأخطاره بل إنه يتحقق نجاح الإنجيل بواسطة ذلك وبغية أن يجعلهم مطمئنين من جهة رسولهم أبفرودتس الذي لفرط خدمته إياه اعتراه مرض شديد وكان حينئذ قد أبلّ من مرضه وبيان ممنونيته لهم على عناية رسولهم به وإنكاره نفسه وتعرضه للخطر في سبيل خدمته وتثبيتهم في الشجاعة والإيمان في الاضطهادات والضيقات التي كانت عليهم وحثهم على الاتحاد والتواضع متمثلين بالمسيح. وفي كلامه على تواضع المسيح أتى بما ليس في الإنجيل أوضح منه من الكلام على تجسد المسيح وآلامه وارتفاعه. ثم دعاهم إلى الفرح ونبههم على وجوب أن يكون فرحهم في الرب وحذرهم من أن يدخل بينهم المعلمون الماثلون إلى الرسوم اليهودية القائدون لهم إلى الاتكال على الأمور الحسية الدنيوية فحثهم على أن يتكلموا على المسيح وحده وأن يتقدموا في الحياة الروحية متوقعين ثواب يوم القيامة العظيم. ولم يذكر في هذه الرسالة شيئاً من الملامة إلا حين أشار إلى الاختلاف بين امرأتين من الكنيسة سماهما وطلب أن تتفقا وسأل مساعدة شريكه واكليمندس على ذلك. ثم دعاهم أيضاً إلى الفرح والاتحاد والثبات والحلم والقناعة وممارسة الفضائل المسيحية وكرر شكره لهم على كرمه عليه. وختم رسالته بالسلام والبركة. وهذه الرسالة رقيم من صديق إلى أصدقائه في الرب كتبه أسيراً في وحدته وضيقته وريبه في مستقبله وأوضح فيه رقته عليهم بدون التفات إلى ترتيب المواضيع بدون الاقتباس من العهد القديم وإيراد البراهين على صحة تعليمه. وهي تزيد اعتبارنا لكاتبها لشفقته على أولاده الروحيين وشجاعته في الخطر وغيرته للمسيح وإنجيله وهي تشهد لقوة الإيمان المسيحي بأنه يعضد النفس في أشد الخطوب.
موضوع هذه الرسالة عظمة الرب يسوع المسيح وكمال ما أتى به من الفداء وأنه صورة الإله غير المنظور وأنه فيه حل كل ملء اللاهوت منذ الأزل وأنه خالق كل البرايا وأنها به تقوم وأنه رب كل ما في السموات والأرض مما يرى ومما لا يرى وإن كل المسيحيين متحدون بالمسيح وحده اتحاد الأعضاء بالرأس. وأنه به صالح الكل لله وأنه به ينال المؤمنون السلام والحياة والخلاص والسعادة ويحصلون على كل الفضائل والنعمة ليستطيعوا إتمام كل الواجبات وذلك يكون بواسطة الإيمان به والطاعة والشركة معه والصلاة له حتى يكون المسيح لهم وفيهم. والغاية من بيان عظمة المسيح وكمال عمله هي التحذير من بعض الضلالات التي هي خليط من الفسلفة اليونانية والأوهام اليهودية المعروفة بتاريخ الكنيسة ببدع الغنوسيين. فإنهم اعتقدوا وجود كائنات روحية بين الله والبشر تستحق العبادة وقالوا بأنها دون الله وأعظم من سائر الملائكة والناس وأنها هي التي أبدعت المادة التي هي علة الخطيئة. وأن نيل القداسة يكون بقهر الجسد وإماتته وأنه يجب أن يحفظ بعض الرسوم اليهودية من تقديس السبوت والأهلة والتمييز بين الأطعمة وتحريم أكل اللحم والزيجة. ولذلك حذرهم الرسول من الفلسفة الباطلة والسلوك بمقتضى المبادئ العالمية والتقاليد اليهودية والنوافل كزيادة التواضع وفرط إماتة الجسد وعبادة الملائكة وغير ذلك من تعاليم الباطنيين والأسينيين. والأسينيون (وهم فرقة اليهود أشد من الفريسيين تمسكاً بالرسوم الموسوية) احتقروا الزيجة وامتنعوا عن تناول اللحوم ونهوا عنها كل إنسان بقولهم «لا تمس ولا تذق ولا تجس» فأبان الرسول دفعاً لهذه البدع عظمة فضل المسيح على كل الكائنات وأنه أكمل عملاً كافياً للتطهير والتقديس وأن الإنسان بواسطة المسيح يموت للعالم (فلا يحتاج إلى أن يميت الجسد على ما رأوا) ويقوم مع المسيح للحياة الروحية والطهارة والقداسة. ومما يستحق الاعتبار واللالتفات إليه أن ليس في هذه الرسالة اقتباس وإثبات من العهد القديم ولا توبيخ للمؤمنين على سوء معاملتهم في الأدب أو في نظام الكنيسة كما جاء في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس. نعم إن فيها تحذيراً من الخطايا التي بين الأمم لكن لا دليل على أن مؤمني كولوسي سقطوا فيها.
إن الذي دعا بولس إلى كتابة هذه الرسالة كونه ترك تسالونيكي فجأة لسبب هياج اليهود عليه فلم يكن له من فرصة ليعلم المؤمنين شفاهاً ضروريات الدين المسيحي وتوقع أنه يرجع إليها سريعاً فلم يستطع (ص ٢: ١٨) فرأى أن يبلغهم بالكتابة ما فاتهم بالكلام وخاف أن شدة اضطهاد اليهود إياهم تحملهم على الارتداد وهم حديثو الإيمان فقصد أن يعزيهم ويشجعهم ليثبتوا. إنه كان قد أرسل تيموثاوس إليهم لفرط اهتمامه بهم لكي يأتيه بإنبائهم (أعمال ١٧: ١٦ وص ٣: ١). فرجع إليه بالخبر الذي أنعش روحه (ص ٣: ٦) فكتب إليهم ليعلن سروره بما سمعه من أنباء ثبوتهم وتقدمهم. والظاهر أن تيموثاوس أخبره أيضاً بما نشأ عندهم من النقائص فأخذ بولس يكتب إليهم بغية إصلاحهم. وحزن بعضهم حزناً مفرطاً على موتاهم ويئسوا من رؤيتهم أيضاُ فعزاهم وأكد لهم أن الراقدين هم مع المسيح وأنهم سيجتمعون بهم أيضاً.
غاية بولس من كتابة هذه الرسالة إصلاح الخطإ الذي وقعوا فيه من جهة وقت مجيء المسيح ثانية وقد نشأ ذلك الغلط من سوء فهمهم ما كتبه في الرسالة الأولى وإصلاح ما نشأ منه من الخلل. لأنهم استدلوا بقوله «نحن الأحياء الباقين» إن يوم الرب على وشك المجيء وأنه لا داعي إلى السعي في أعمالهم المعتادة فتركوها وسلكوا بلا ترتيب. وبلغ نبأ ذلك إلى بولس من تيموثاوس الذي أرسله ليفتقد أحوالهم فرأى من الضرورة أن يوضح لهم كالإيضاح إن يوم الرب ليس كما توهموا من قربه مع وجوب أن ينتظروه كل حين ويستعدوا له ولكن لا بد من أن يسبق ذلك بعض الحوادث قأبانها بروح النبوة وقال إنها ابتدأت تحدث يومئذ ولكن الرب لا يأتي قبل أن تبلغ حدها. وذكر مع طلب الإصلاح أموراً تنشئ لهم التعزية في ضيقاتهم والتثبيت لهم في الإيمان وتحثهم على الاستقامة والاجتهاد وتجنب البطالة والسلوك بلا ترتيب.
ذُكر الداعي إلى كتابة هذه الرسالة في أولها وهو أن بولس وكَلَ العناية بالكنيسة إلى تيموثاوس وهو يتوقع الرجوع إليه سريعاً ولكنه خيفة أن يُعاق أكثر مما توقع كتب هذه الرسالة في ما رآه ضرورياً أن ينبئه به مدة غيابه (١تيموثاوس ٣: ١٤ و١٥). وغايته منها تنشيط تيموثاوس وتعليمه إياه واجباته. ومعظم هذا التعليم أمران: الأول إبطال البدع المضلة التي دخلت كنيسة أفسس وأخذت تنتشر فيها واهتم الرسول بها كثيراً. والثاني ما يتعلق بسياسة الكنيسة من جهة تعيين رعاتها وشمامستها واختيار الأرامل اللواتي يُوزع عليهن صدقات الكنيسة وتأديب المجرمين في الكنيسة. ولا ريب في أن الروح القدس ألهم بولس أن يكتب هذه الرسالة لكي تنفع كل الرعاة في شأن تعليم الرعايا وسياستها.
قيل في هذه الرسالة أن الداعي إلى كتابتها أن يأتي تيموثاوس إليه سريعاً مصحوباً بمرقس لغياب من كان يعتمدهم (ص ١: ٤ و٤: ٩ - ١٢ و٢١). وكان في ريب من مستقبله متردداً بين أن يرى ابنه في الإيمان أيضاً وأنه يموت قبل وصوله إليه لذلك كتب له وصايا أبوية موافقة لمقتضى الحال معظمها حثه إياه على الثبات والأمانة.
الذي كُتبت هذه الرسالة إليه تيطس وكل ما نعلمه من أمره علمناه من هذه الرسالة ومما كتب في (٢كورنثوس ٢: ١٢ و١٣ و٧: ٦ و١٣ و٢٤ و٨: ٦ و١٢: ١٨ وغلاطية ٢: ١ - ٣ و٢تيموثاوس ٤: ١٦). والذي علمناه أنه كان من الأمم ولعله وُلد في أنطاكية واهتدى إلى الإنجيل بواسطة بولس لأن بولس دعاه «الابن الصريح» (تيطس ١: ٤). ولما آمن أخذه بولس معه ومع برنابا إلى أورشليم سنة ٥٠ ب. م باكورة الإنجيل من الأمم وأبى أن يختنه إجابة لطلب مؤمني الكنيسة هنالك تأييداً لحرية الإنجيل. وبعد ذلك حمل رسالة بولس الأولى إلى كنيسة كورنثوس وكان بولس يتوقع رجوعه إليه بجواب الرسالة وهو في ترواس على غاية الرغبة في ذلك وإذ لم يستطع أن يحتمل الانتظار ذهب إلى مكدونية ليلاقيه ثم أرسله من هناك بالرسالة الثانية إلى كورنثوس وأمره بإتمام جميع الإحسان فيها لفقراء أورشليم. ولم يذكر لوقا اسمه في سفر الأعمال لكن يظهر من هذه الرسالة أنه رافق بولس في سفره إلى كريت وأنه تركه هنالك لكي يتمم العمل الذي ابتدأه الرسول فيها. وحين كتب بولس رسالته الثانية إلى تيموثاوس (٢تيموثاوس ٤: ١٠) كان تيطس في دلماسية والمرجح أنه ذهب إلى هنالك للتبشير. ومما قيل فيه نستنتج أنه كان من أحب الرفقاء إلى بولس وممن وثق بهم كثيراً إذ دعاه أخاً ورفيقاً وعاملاً معه واعتقد أنه حكيم ومجتهد وأمين بدليل قوله لأهل كورنثوس «أَمَّا مِنْ جِهَةِ تِيطُسَ فَهُوَ شَرِيكٌ لِي وَعَامِلٌ مَعِي لأَجْلِكُمْ» وهو أحد الأخوين اللذين ذكرهما بولس بقوله «أَمَّا أَخَوَانَا فَهُمَا رَسُولاَ ٱلْكَنَائِسِ، وَمَجْدُ ٱلْمَسِيحِ» (٢كورنثوس ٨: ٢٣).
الغاية من كتابة هذه الرسالة تظهر من نصها وهي أن أنسيمس عبد فليمون أبقَ بعد ما اختلس من ماله (ع ١٨) وهرب إلى رومية وتعرف فيها بالرسول إذ كان له حينئذ أن يستقبل كل من أتى إليه (أعمال ٢٨: ٣٠) واهتدى به إلى المسيح. وكانت نتيجة إيمانه بالمسيح وتعليم الرسول أنه رغب أن يرجع إلى خدمة سيده ولما رجع إليها بعث معه هذه الرسالة والتمس فيها من فليمون أن يعفو عن عبده وينسى ما مضى منه ويرضى عنه وأن يرده إلى خدمته لا عبداً بل أخاً في المسيح وأنه متيقن أن فليمون «يفعل أكثر مما قال» (ع ٢١) أي طلب. وقال لفليمون إن ما يظهره لأنسيمس من اللطف يحسبه معروفاً له وأن يوفيه كل ما خسره بخيانة عبده وحين طلب عفوه عن عبده سأله أن يعد له منزلاً في بيته لأنه متوقع أن يأتي إليه بعد قليل. مما اختصت به هذه الرسالة أنها وحدها من رسائل بولس كُتبت لغاية خاصة لا لتثبيت عقائد دينية من رسائل إصلاح خلل في السيرة. وأن الرسول لم يكتبها باعتبار كونه رسولاً بل باعتبار كونه صديقاً لصديق مسيحي أو أخاً في المسيح لأخ فيه فكان مثالاً في الصداقة والتواضع والملاطفة والأنس و الرقة وحسن الذوق والحكمة والبراعة. وفي طلبه العفو عن أنسيمس لم يرد أن يستخف على عبده لكنه سأله أن ينزل عن حقوقه ولم يخاطبه بولس كأن له عليه حق الإطاعة بل كمن يسأل معروفه. فالتماس بولس إلى فليمون في أمر عبده أنسيمس يشبه بعض الشبه شفاعة المسيح إلى الآب من أجلنا لأن المسيح يلتمس إلى الآب بمحبة وتواضع أن لا يعاملنا بمقتضى ما نستحقه على آثامنا بل بمقتضى نعمته إكراماً لابنه الذي يشفع فينا فيسأله المغفرة لنا والرضى عنا فتكون نسبتنا إلى المسيح كنسبة أنسيمس إلى بولس. ومما اختصت به هذه الرسالة بيان النسبة بين الديانة المسيحية والاسترقاق فلا توجب على السادة تحرير عبيدهم في الحال بل تعد الطريق إلى إبطال الاسترقاق رويداً رويداً للمنافاة بين العبودية وتعليم المسيح إن كل المسيحيين إخوة وأن المؤمنين واحد في المسيح (متى ٢٣: ٨ و٩ ويوحنا ١٧: ٢١).
إذا نظرنا إلى باطن هذه الرسالة وجدنا أنها خطاب موجه إلى اليهود المسيحيين الذين كانوا في خطر الارتداد فحثهم الكاتب على الثبات في الإيمان المسيحي وحذرهم من الرجوع إلى الديانة اليهودية. وهي في غاية الموافقة لهذا الغرض العظيم لأن الكاتب قد أثبت فيها فضل الديانة المسيحية على اليهودية وأنها الحقيقة التي أشارت إليها رموز الشريعة الموسوية وتمت فيها. والديانة المسيحية كما رسمها المؤلف عهد بين الله والناس وبموحب هذا العهد هو إلههم وهم شعبه (ص ٨: ١٠) فلا يذكر خطاياهم بل هم مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة (ص ١٠: ١٠) والعهد المرموز إليه والذي رجاءه شعب الله صار حقيقة بالمسيح وهو ثابت وباق إلى الأبد لأن المسيح حي في كل حين (ص ٩: ١٢).
غاية الرسول من كتابة هذه الرسالة حث المسيحيين على الثبوت في إيمانهم بالمسيح والطاعة له في أثناء الضيقات الشديدة والتجارب المختلفة التي كانوا عرضة لها. وعلة تلك الشدائد أن أقرباءهم اليهود الساكنين في اليهودية كانوا يومئذ في قلق عظيم من ظلم الولاة الرومانيين فإن أولئك اليهود كانوا على وشك أن يعصوا الدولة الرومانية لما لقوا من الظلم ولبغضهم القديم للأمم. وابتدأ ذلك العصيان السنة ٦٧ ب. م وكان والي اليهودية وقتئذ جاسيوس فلوروس وانتهى بخراب أورشليم السنة ٧٠ ب. م فكان لا بد للمؤمنين المسيحيين من أن يشاركوا أقرباءهم اليهود في طلب النجاة من نير الرومانيين لكنهم لم يمكنهم أن يشاركوهم في أملهم أن المسيح سيأتي ويغلب الرومانيين وينشئ مملكة زمنية على الأرض ولذلك أبغضهم اليهود أنفسهم وحسبوهم كفرة ووشوا بهم إلى الحكام كأنهم عصاة للدولة فكانوا مضتطهدين ومبغضين من الرومانيين أيضاً لأن الرومانيين لم يفرقوا بينهم وبين اليهود العصاة. ومن غايته من كتابة هذه الرسالة إصلاح ما وقع فيه المسيحيون من الخلل في الاعتقاد والعمل. فوبخ منهم من ضل عن الحق المعلن في الإنجيل وهددهم لأنهم سمعوا كلام الله ولم يطيعوه واتكلوا للخلاص على إيمان فارغ لم يأتي بأثمار تليق بالتوبة وظلموا الفقراء واختلسوا أشياءهم وداسوا حقوقهم وأحبوا المقتنيات الدنيوية واللذات الجسدية أكثر مما يليق بهم. وكانوا يخاصم بعضهم بعضاً ويتذمرون على الله.
مما اختصت به هذه الرسالة بيان أن الديانة المسيحية إتمام نبوءات العهد القديم وفيها كثير من التشابيه المأخوذة من ذلك العهد وإشارات إلى فرائضه وتاريخه ومن ذلك ما في (ص ١: ١٠ - ١٢ و٣: ٥ و٦ و٢٠). وليس من أسفار العهد الجديد مثلها في كثرة المقتبسات من العهد القديم أو العبارات المأخوذة منه فإن آياتها ١٠٥ ومنها ٢٣ آية مقتبسة من ذلك العهد وليس في رسالة أفسس سوى سبع ولا في رسالة غلاطية سوى ثلاث عشرة. وهذا ما يتوقع من بطرس بالنظر إلى كونه رسول الختان. ومما اختصت به كثرة الإشارات إلى أقوال المسيح وذلك دليل على كونه شاهداً بما سمع من فم المسيح نفسه وأنه اعتبر المسيح كل الاعتبار وأحبه كل المحبة واتخذه سيداً ورباً. وكثيراً ما ذُكر المسيح في هذه الرسالة باعتبار كونه الوسيط وأن قيامته من الأموات تؤيد ذلك ولهذا قال «بها (أي قيامته) وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ» (ص ١: ٣) وأن إيمانهم بالله مبني على تلك القيامة (ص ١: ٢). وذكر المسيح مثالاً لنا في احتمال الأرزاء وآثر أن يذكره باعتبار كونه في حال الارتفاع قائماً من الأموات ممجداً على يمين الله رئيس الكنيسة معبود الملائكة على أن يذكره باعتبار كونه في حال الاتضاع. واختار أيضاً أن يذكره باعتبار ما سيكون في مجيئه الثاني على أن يذكره باعتبار ما كان عليه مدة مجيئه الأول. ولهذا دُعي «رسول الرجاء» كما دُعي بولس «رسول الإيمان» ويعقوب «رسول الأعمال» ويوحنا «رسول المحبة» لأن الرجاء مقدار تعليمه في هذه الرسالة وأفكاره كانت تتوجه وهو يكتبها إلى المستقبل فكان يتوقع ظهور المسيح ثانية والمجد الذي يُعلن له ولشعبه.
الغاية من كتابة هذه الرسالة التحذير من المعلمين الكاذبين والأخطار التي كانوا عرضة لها من أولئك المعلمين (ص ٢: ١ وص ٣: ٧). والإنباء بالهلاك الذي لا بد من أن يكون نصيب أولئك المضلين وحث المؤمنين على الثبات في الإيمان والبنيان في المعرفة والقداسة (ص ١: ١١ وص ٣: ١٧ و١٨). ولعله بعد أن كتب الرسالة الأولى لتعزيتهم في الضيقات والاضطهادات بلغه نبأ وجود المعلمين الكاذبين في تلك الكنائس فرأى من الضرورة أن ينبه الكنائس على الخطر منهم وأن يستعمل السلطان الذي أعطاه المسيح الرسل على مقاومة المضلين.
الغاية من كتابة هذه الرسالة بعضها ما في قوله «ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (ص ١: ٣ و٤). وقوله «كَتَبْتُ هٰذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ» (ص ٥: ١٣). وبعضها على ما يظهر للقراء الحث على المحبة الأخوية وعلى الثبات في شركة الإيمان والمحبة لله الآب والابن والتحذير من الشهوات الجسدية ومن التعاليم الفاسدة. والبدع التي نشأت في الكنيسة يومئذ هي على ما في تاريخ الكنيسة بدعة الدوسيتيين (Docetans) وبدعة الغنوسيين فالدوسيتيون تمسكوا بتعليم سيرنتس (Cerinthus) وهو أن المسيح هو ابن يوسف وابن مريم كأبناء سائر الناس وأن الكلمة اتحد به عند المعمودية حين حل عليه الروح القدس كالحمامة وأن الكلمة انفصل عنه عند صلبه فاعتقدوا أن المسيح ليس إنساناً حقيقياً بل ظهر أنه كذلك حين تكلم مع الناس وأكل وشرب معهم وحين تألم ومات. وأنكروا قول الإنجيل في أن حبل مريم بالمسيح من الروح القدس وكل ما يتعلق بولادته وما ذُكر من أمره قبل دخوله في الخدمة. وقالوا أنه ظهر أولاً على شاطئ الأردن بهيئة إنسان ولكن ذلك صورة لا جوهر فخُدع أصحابه وأعداؤه حين ظنوا أنهم رأواه وسمعوا صوته ولمسوه. فغضب اليهود عليه عبثاً فإنهم لم يشفوا غضبهم إلا بخيال غير مادي وأن كل حوادث صلبه وموته وقيامته وصعوده ليست سوى خيالات. ففند يوحنا هذه البدع في هذه الرسالة بتصريحه أن المسيح أتى في الجسد حقيقة وعاش ومات حقيقة لا تخيلاً. وأبان في هذه الرسالة علاوة على التعليم الصحيح المتعلق بالمسيح أهمية المحبة وأن وجودها في المؤمنين دليل على أنهم متحدون بالمسيح وأن إيمانهم حق خالص. واجتهد في أن يبين العلامات التي يمتاز بها المؤمنون الحقيقيون عن سائر الناس.
كان الرسول في موضع سكنه بعض أولاد امرأة مسيحية فكتب إليها وإلى بعض الأولاد الذين معها هذه الرسالة. وذكر فيها مؤاساته لها وسروره بإيمان أهل بيتها. وأنذرها من سوء تعليم المعلمين الكاذبين. وفيها إيضاحات ذات شأن في المحبة وفي «ضد المسيح» وفي المؤمنين الحقيقيين والكاذبين. وتعاليم مهمة في معاملة الذين يُعلمون ما يعملون أنه ضلال. وهي ثلاثة أقسام التحية (ع ١ - ٣) ونصح وإنذار (ع ٤ - ١١). وخاتمة (ع ١٢ و١٣). كُتبت الرسالة الثانية إلى إمرأة مسيحية لم نتحقق اسمها ولعل علة كتمه الاسم إن ذكره يعرضها لاضطهاد الحكومة الرومانية. وكانت أم أولاد مؤمنين مشهورة بإضافة الغرباء. وكُتبت الثالثة إلى غايس مدحه الرسول فيها على غيرته للكنيسة والمبشرين فيها.
مضمون هذه الرسالة فالتحية في أولها أظهر بها محبته لغايس ورغبته في عافيته الجسدية وسعادته (ع ١ و٢). ومدح صفاته وأفعاله بناء على ما سمعه من بعض الإخوة الذين زاروه ولا سيما غيرته للحق وتلطفه بأعضاء الكنيسة والغرباء الجائلين للمناداة بالإنجيل (ع ٣ - ٨). وبيان أنه كتب إلى الكنيسة في شأن أولئك الغرباء لكن ديوتريفس لم يعتبر سلطان الرسول ولم يقبل الذين أوصى بهم. وقال أن ديوتريفس يستحق التوبيخ على هذا السلوك وإنه يتخذ عند مجيئه الوسائل التي تثبت سلطانه وبيّن له وللكنيسة ما يجب عليهم لمثل أولئك الضيوف (ع ٩ و١٠). ونهى غايس عن أن يتمثل بديوتريفس وأمره بأن يستمر على إظهار المحبة واللطف تمثلاً بالله (ع ١١). ومدح ديمتريوس شريكه في عمل المحبة وصرّح بأنه بلغه من حسن سيرة ديمتريوس مثل ما بلغه من حسن سيرة غايس (ع ١٢). وختم الكلام بقوله إن له أشياء كثيرة ليكتبها لكنه عدل عنها أملاً أن يجتمع به بعد قليل ويتكلم ملياً في كل ما في قلبه وبالسلام (ع ١٣ و١٤).وكُتبت الثالثة إلى غايس مدحه الرسول فيها على غيرته للكنيسة والمبشرين فيها.
ذكر يهوذا بعد التحية والدعاء (ع ١ و٢) قصده من الرسالة والأسباب الحاملة على كتابتها (ع ٣ و٤). وهي قسمان: القسم الأول: أمثلة عدل الله في عقاب الأشرار الذين يشبههم المعلمون الكاذبون الفاسدون. وذكر منهم ثلاثة المتمردين من الإسرائيليين (ع ٥) أيضاً بأنهم مدمدمون مشتكون سالكون بحسب شهواتهم وما أشبه ذلك مما يشق الكنيسة ويحمل على ترك الإيمان والطهارة (ع ١٦ - ١٩). والقسم الثاني: حث المؤمنين على أن يتقووا في الإيمان والصلاة والتقوى والرجاء (ع ٢٠ و٢١) ونصحه لهم في معاملة الذين أضلهم المعلمون المفسدون وإن المعاملة تختلف باختلاف خطاياهم (ع ٢٢ و٢٣) وختمه الرسالة بكلمات التعزية والتسبيح (٢٤ و٢٥). ومن الواضح قوة المشابهة بين هذه الرسالة ورسالة بطرس الثانية ولا سيما بين (يهوذا ٣ - ١٨ و٢بطرس ٢: ١ - ١٨) فمن البيّن أن أحدهما قد رأى رسالة الآخر واقتبس منها. واختلف المفسرون في السابق منهما ولا سبيل لنا إلى القطع لكن نرى سبباً كافياً للمشابهة إذا رأينا كما رأى كثيرون من أن بطرس كتب ما كتبه على سبيل النبوة (٢بطرس ٣: ٣) وإن ما كتبه يهوذا كان بياناً لنجاز تلك النبوة فاستعمل يهوذا الكلمات التي استعملها بطرس عيتها ليبيّن أنها نجزت نجازاً تاماً كما يتضح من (يهوذا ١٧ و١٨).
إن الغاية من كتابة هذا السفر ما ذُكر في أوله وهو «إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب». وهو بيان حال الرب كما هي الآن في السماء لتعليم شعبه وتعزيتهم. وعلى هذا يكون معظم هذا السفر نبوءة بأحوال الكنيسة في المستقبل في مجاهدتها ومحاربتها قوات الشر وانتصاراتها ودينونة أعدائها أخيراً منذ أيام المسيح إلى نهاية العالم لأن هذه هي الأمور التي تختص بعبيده (ع ١). وعبر عن ذلك برؤى تُعلن الأمور المستقبلة بطرق مختلفة وفي أثناء تلك الرؤى أقوال تعليمه للتعزية والتنشيط. وذكر فوق بيان الأمور المستقبلة بعض الأمور الماضية والحاضرة وقد تم بعض النبوءة وبعضها أخذ في أن يتم وبعضها سيتم في ما لم يعين من المستقبل. وأما قوله «لا بد أن يكون عن قريب» فيجب أن نفهمه بحسب نظر الله الذي «ألف سنة في عينيه كيوم واحد» وبمقتضى أقوال هذا السفر عينه فإنه بمقتضاها أن بعض نبوآته يقتضي تمامه ما يزيد على ألف سنة. ولعل المراد بقوله «يكون عن قريب» إنه يأخذ بعد قليل في سبيل المجاز. وأعظم حادثة أنبأ بها هذا السفر هي مجيء المسيح ثانية فكما أن أعظم مواضيع نبوءات العهد القديم مجيء المسيح الأول كذلك أعظم مواضيع هذه النبوءة مجيء المسيح الثاني. وانتصار ملكوته بالحوادث السابقة له والمقترنة به. وهذا الموضوع ذُكر في أول السفر وكُرر كثيراً فيه وخُتم السفر به.