إن سفر التكوين من أقدم ما كُتب في العالم حتى رجح بعضهم أنه أقدم كتب الأرض وفيه نبأ أصل العالم الصحيح وخلق الإنسان على صورته تعالى وشبهه وسقوط الجنس البشري وفساده. وهو أصل كل الدين الموسوي والدين المسيحي. وقد كُتب والبشر في صبوته وهو جوهر المواضيع الدينية. وفيه إعلان قدرة الله لأنه أبدع البرايا وإعلان حكمته لأنه أحسن إتقان العالمين على مقتضى ما أودع في العالم المادي من النواميس وكان ترتيب الخلق بحسبها على ما فُضل من خلق كل يوم من أيام الخليقة الستة (انظر تفسير ص ١). وإعلان جوده فإنه بجوده خلق الإنسان وكل ما يحتاج إليه لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الخلق لأنه غني عن كل ما خلق. وتاريخ دخول الخطيئة إلى العالم فإظهار رحمته تعالى وعدله. فرحمته كانت بحفظ الإنسان وعنايته به بعد السقوط وعدله بإخراجه الإنسان من الفردوس إلى أرض الشقاء والبلاء والموت. وفيه من أحسن مجالي رحمة الخالق القدير وحبه للإنسان العاصي الوعد بمنقذٍ من الشقاء والهلاك الأبدي وهو نسل المرأة الذي أمات الموت بموته وأعلن القيامة والخلود بقيامته. والخلاصة إن في هذا السفر بيان كل ما تستطيعه المدارك البشرية من صفات واجب الوجود والحياة الأبدية بفداء الابن الأزلي فهو أسُّ الدين المسيحي ودعامة كل ما فاه به المسيح والرسل والأنبياء.
إن موضوع هذا السفر خروج بني إسرائيل من مصر لكن ذلك ليس كل مشتملاته ولا المقصد العام فيه. فإن من أعظم غايات الكاتب بيان أول درجات إتمام وعد الله للآباء مع بيان نمو الإسرائيليين وطريق نشوئهم من بيت إلى قبيلة ومن قبيلة إلى أمة. فإن سفر التكوين ترك لنا الإسرائيليين بيتاً (تكوين ١: ٢٢) والخروج تركهم لنا أمة تزيد على ألفي ألف نفس تحت رؤساء قانونيين (خروج ١٨: ٢١ - ٢٤) وأهل نظام عبادة مقرر وكهنوت وشريعة وقضاء. فإنك تجدهم في (ص ١: ١٠٦) بيتاً وتراهم في (ص ٣٣: ١٣) شعب الله. وبدخول مجد الرب خيمة الاجتماع (ص ٤٠: ٣٤) ثم كونهم مملكة الله ملكها وهو يسكن بين شعبه متسلطاً ومرشداً وقائداً. وإن تلك الأمة قبلته رأسها وصارت مملكة له (ص ١٩: ٦). نعم إنها ظلت إلى ذلك الحين من أهل البادية لكنها كانت أمة مربوطة بشريعة وقوانين.
يشتمل هذا السفر على تاريخ شهر واحد وهو الشهر الأول من السنة الثانية لخروجهم من مصر (انظر خروج ٤٠: ١٦ وعدد ١: ١) وفيه الشرائع المختصة باللاويين والكهنة والذبائح. وفُصل الكلام فيه على الذبائح (ص ١: ١ - ص ٧: ٣٨). والكهنوت والوصايا المتعلقة به (ص ٨: ١ - ص ١٠: ٢٠). وبيان البهائم النجسة (ص ١١: ١ - ١: ٤٧). ودنس الإنسان (ص ١٢: ١ - ص ١٥: ٣٣). ويوم الكفارة (ص ١٦: ١ - ٣٤). ووجوب حفظ الطهارة في الحياة اليومية في البيوت وخارجها في الاجتماعات والمعاشرات (ص ١٧: ١ - ص ٢٠: ٢٧). وقداسة الكهنة وطهارتهم في خدمتهم المقدسة (ص ٢١: ١ - ص ٢٢: ٣٣). وتقديس المواسم (ص ٢٣: ١ - ص ٢٤: ١٢). وكل الأرض (ص ٢٥: ١ - ص ٢٦: ٢). وبعض المسائل الشرعية من أدبية وسياسية ورمزية.
ذُكر تاريخ بداءة الزمان الذي قُصّ فيه نبأُ هذا السفر في أوله وهي اليوم الأول من الشهر الثاني من السنة الثانية لخروج إسرائيل من مصر يوم أمر الرب موسى أن يحصي كل جماعة إسرائيل (ص ١: ١ و٢). وكان موت هارون على ما يُعرف من (ص ٣٣: ٣٨) في السنة الأربعين لخروج الإسرائيليين من أرض مصر في اليوم الأول من الشهر الخامس من تلك السنة فالمدة ما بين الحادثتين ثمانٍ وثلاثون سنة وثلاثة أشهر. وحوادث هذا السفر الأخيرة حدثت على الجانب الشرقي من نهر الأردن. وكُررت الشريعة في سفر التثنية في بدء الشهر الحادي عشر من السنة المكملة الأربعين (تثنية ١: ٣). وكان عبورهم نهر الأردن بقيادة يشوع في اليوم العاشر من السنة التالية (يشوع ٤: ١٩). فظهر من ذلك إن كل الزمان الذي يشتمل عليه سفر العدد نحو تسع وثلاثين سنة.
اسم هذا السفر عند اليهود كما سبقه من أسفار التوراة في أنه بعض كلمات أوله. فاسمه «إله هدبريم» أي هذا (هو) الكلام. وهو جزء من التوراة في الأصل لا سفر مستقل ولم يُفرد سفراً برأسه إلا بعد أن تُرجمت إلى اليونانية. ورأى بعضهم أنه سفر مستقل لعدم الواو في أوله كما في كل من سفر الخروج وسفر اللاويين وسفر العدد. وهذا غير موجب لاستقلاله فإن كثيراً من أجزاء السفر الواحد بل الفصل الواحد لا واو في أولها. على أن المرجّح أن أول السفر الآية الثالثة من ص ١ وفيها الواو أو الفاء. وإن قوله في أول هذا السفر يشعر بأنه جزء من التوراة أو تابع لما قبله ولا يظهر من ذلك إلا للمتأملين. وسماه بعض اليهود «سفر التوبيخ» لما فيه من اللوم والتعنيف للإسرائيليين يومئذ. وسماه بعضهم «التوراة» لاشتماله على الشريعة إذ هو تكرار لها. وسماه بعضهم «المشنة» وهذا الاسم كلمة في (ص ١٧: ١٨) في العبرانية ومعناه مثنى فهو كالتثنية وتُرجمت «مشنة» إلى العربية في هذا الموضع بنسخة. وهو الاسم الذي اختاره مترجمو التوراة إلى اليونانية والأول مترجموها إلى العربية لأن هذا السفر تكرار ما سبق من الشريعة والتاريخ معاً. وليس فيه ما زاد على التاريخ السابق سوى موت موسى ولا شيء من المعلنات لموسى فوق ما تقدم. ولا فرق في التسمية اليونانية والتسمية العربية في المعنى فالمقصود بها في العربية كتابة الشريعة مرتين أو تلاوتها كذلك. ومعناها في اليونانية «الشريعة الثانية» أو «تأليف الشريعة ثانية» أو كتابتها كذلك.
كان يشوع في قيادته لشعب الله رمزاً إلى يسوع فالإسمان واحد إنما صار يشوع في اليونانية يسوع. ومعنى الإسم يفيد أنه مخلّص فإن يشوع غلب أعداء شعب الله وخلّص الشعب من الأخطار وملّكه أرض الموعد ويسوع خلّص الشعب من أعظم الاعداء الشيطان والخطيئة. قال الملاك جبرائيل ليوسف في البشارة بالفادي «وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». يشوع المنسوب إليه هذا السفر هو ابن نون أحد رجال أفرايم (١أيام ٧: ٢٠ - ٢٧) ولم يُذكر اسم أمه مع كثرة ذكر اسم أبيه. واسمه الأصلي هوشع (عدد ١٣: ٨) وهو لفظة عبرانية معناها خلاص (١أيام ٧: ٢٧). ثم دعاه موسى يهوشع ومعناه الرب خلّص وكُتب في الترجمة العربية يشوع. وفي كتب مؤرخي العربية وغيرها من مؤلفات العرب يُوشع وهو أقرب إلى الاسم العبراني يهوشع. ويشوع هو اسم الفادي الذي هو فوق كل اسم وصار في اليونانية يسوع بإبدال الشين سيناً.
اختلفت الأقوال في كاتب هذا السفر حتى تعذّر القطع بكاتبه. فذهب بعضهم إلى أن كاتبه صموئيل وبعضهم إلى أنه حزقيا وبعضهم إلى أنه عزرا وأنه جمعه مما كتبه القضاة في كل زمان ولايته. وهذا أي القول بأن عزرا كاتبه مبني على ما جاء في (ص ١٨: ٣٠) وهو قوله «وَكَانَ يَهُونَاثَانُ بْنُ جَرْشُومَ بْنُ مَنَسَّى هُوَ وَبَنُوهُ كَهَنَةً لِسِبْطِ ٱلدَّانِيِّينَ إِلَى يَوْمِ سَبْيِ ٱلأَرْضِ» فظن الباحث أنه كُتب بعد سبي بابل. ولكن يظهر مما جاء في (مزمور ٧٨: ٦٠ و٦١ و١صموئيل ٤: ١١) إن هذا السبي حدث يوم أخذ الفلسطينيون التابوت. وهذا يدل على أنه كُتب قبل سبي بابل بخلاف الأسفار التي كُتبت بعد ذلك السبي. وأكثر اليهود والمسيحيين على أن كاتبه صموئيل فإن ما فيه موافق لعصره. ولك دليل آخر وهو قول الكاتب إن الأمر كذا وكذا كان قبل أن يكون ملك في إسرائيل فيوم كُتب كان ملك فيه لكنه كُتب على أثر إقامة ملك في إسرائيل أي ليس بعد زمان طويل بدليل ما في (ص ١: ٢١) وهو أن اليبوسيين كانوا لا يزالون في أورشليم وهؤلاء طُردوا من أورشليم على أثر ملك داود (٢صموئيل ٥: ٦). وما في (ص ٩: ٥٣ و٢صموئيل ١١: ٢١) يبيّن أن سفر القضاة كُتب قبل سفر صموئيل الثاني وهو موافق كل الموافقة للقول بأن صموئيل هو الكاتب دون غيره. وإن زمان كتابته قرب داود أو في أثناء السنين السبع من ملكه. ومن أحسن النظر في أقوال هذا السفر ظهر له أن كاتبه صموئيل. ولا ريب في أن الحوادث في عصر كل من أولئك القضاة كان القضاة وغيرهم من المؤرخين يكتبونها في أوقاتها وإن صموئيل وقف على تلك المكتوبات وألهمه الله أن يكتب الصحيح لأنه كان من الأنبياء الذين يكلمهم الرب ويوحي إليهم. وبعد هذا التحقيق كله إن عدم معرفة كاتب سفر من أسفار الوحي لا يثلم صحته ولا قانونيته لأن الوحي لم ينقطع عن إسرائيل إلى آخر أنبيائهم فكان الأنبياء والموحى إليهم رقباء الأسفار المقدسة ومصدقيها للشعب. فكان الشعب واثقاً بما فيها يحرص عليها كل الحرص على توالي السنين والأيام.
الكاتب مجهول. والأرجح أنه كان في زمان مُلك داود لأنه من المنتظر أن داود أحبّ أن يبحث عن أسلافه وأن يُظهر فضائل الموآبيين التي كانت راعوث منهم. الغاية من كتابة هذا السفر هي أن تظهر (أولاً) العلاقة بين راعوث والملك داود فكانت راعوث من أسلاف داود وأسلاف المسيح أيضاً. ونرى في سلسلة نسب المسيح في (متّى ١: ١ - ١٦) أسماء أربع نساء وهنّ ثامار الكنعانية وراحاب الكنعانية وراعوث الموآبية وبثشبع وثلاث منهن أجنبيات ولعلّ قصد الله في ذلك أن يبيّن أن المسيح هو ابن الإنسان أي أخذ لنفسه طبيعة كل البشر وليس طبيعة اليهود فقط وهو مخلّص لكل بني البشر. (ثانياً) إن ملكوت الله يتضمن كل البشر فكان انضمام راعوث إلى شعب الله عربون انضمام الأمم ونقض حائط السياج المتوسط بين اليهود والأمم وجعلهما شعباً واحداً في المسيح (أفسس ٢: ١٤). ثالثاً: فضيلة المحبة المخلصة وأجرها. (رابعاً) إن محبة كنّة لحماتها وتركها كل شيء لأجلها وتعلقها بها في كل الأحوال تمثل محبة المؤمنين أفراداً للكنيسة وتمثل أيضاً اتحاد جميع المؤمنين بالمسيح وهو رأس الكنيسة. ونفَس السفر بسيط فصيح مؤثر يناسب الموضوع. وهذه القصة الحقيقية التاريخية من أجمل قصص الكتاب وليس في كل التواريخ والروايات أجمل منها. ومكانها في الكتاب بعد سفر القضاة الذي جاء فيه ذكر حروب العظماء وأعمالهم وخطايا فظيعة. فنظرنا إلى هذا السفر بعد النظر إلى سفر القضاة كالانتقال من ميدان الحرب والوغى وسفك الدم إلى بيت فيه السلام والمحبة والراحة والهدوء.
يتضمن هذا السفر ولادة صموئيل وحداثته وخطايا بني عالي الفظيعة وخطيئة عالي في عدم ردعهم وكلام الرب لصموئيل أولاً (ص ١ - ٣). انهزام الإسرائيليين وأخذ تابوت الله وموت عالي وابنيه وإقامة التابوت في أرض الفلسطينيين وإرجاعه إلى بلاد إسرائيل وتجديد العهد في مصفاة وانكسار الفلسطينيين (ص ٤ - ٧). تعيين الملك الأول وقضاؤه (ص ٨ - ١٠). مُلك شاول. وفيه انكسار العمونيين وتثبيت شاول في الجلجال وكلام صموئيل الوداعي للشعب ومحاربة الفلسطينيين وبسالة يوناثان ومحاربة العمالقة وعناد شاول ورفض الرب له (ص ١١ - ١٥). تعيين داود ملكاً عوضاً عن شاول وقتل جليات وانهزام الفلسطينيين ومحاولة شاول قتل داود وهرب داود من وجه شاول وجولانه وحادثة كهنة نوب وحادثة أبيجايل وحادثة داود في جتّ وزيارة شاول لصاحبة جان وسقوطه قتيلاً في جبل جلبوع (ص ١٦ - ٣١).
موضوع السفر الثاني تبوُّء داود العرش وحروبه وإصعاده التابوت إلى أورشليم وسقوطه في بعض الخطايا وأتعابه بسببها. ومعرفة سفر صموئيل الثاني ضرورية لكل من يريد أن يفهم مزامير داود. ولا نتعجب من تخصيص جزء كبير من الكتاب المقدس لترجمة شخص واحد لأن داود وإن كان هو الملك الثاني فله عمل في تأسيس المملكة أكثر من شاول. وأعدّ داود لابنه سليمان المواد لأجل بناء الهيكل ورتب أيضاً خدمة العبادة وألف أكثر المزامير وكان أكبر الملوك وأكبر أسلاف المسيح حتى تسمّى المسيح ابن داود. والغاية من الكتاب المقدس ليست سرد تاريخ العالم ولا تاريخ إسرائيل بل ذكر الأمور المختصة بالفدى بواسطة المسيح.
كان سفرا صموئيل سفراً واحداً وسفرا الملوك سفراً واحداً في الأصل العبراني. وفي الترجمة السبعينية التي تمت ما بين ١٠٠ و٢٠٠ سنة قبل المسيح قُسم سفر صموئيل إلى سفرين وسفر الملوك إلى سفرين وسُميت الملوك الأول والثاني والثالث والرابع. وقُبل هذا التقسيم في الترجمة اللاتينية التي ترجمها جيروم نحو ٤٠٠ سنة بعد المسيح. ودخل في التوراة العبرانية في السنة ١٥١٨. كان تأليفهما بعد سنة ٥٦١ ق. م. لأن في هذه السنة مَلَك أويل مردوخ المذكور في (٢ملوك ٢٥: ٢٧ - ٣٠) وكان قبل الرجوع من السبي لأن لا إشارة في السفرين إليه. والمظنون من نَفَس السفرين أن تأليفهما كان قبل الرجوع بزمان وربما كان نحو السنة ٥٦٠ ق. وكان تأليف بعضهما قبل ذلك التاريخ. أما الغاية من تأليف السفرين إنهما يذكران ملوك يهوذا وإسرائيل وحروبهم وأعمالهم على نسق تاريخي. ولكن قصد المؤلف الأهم بيان الفوائد الروحية في هذه الحوادث التاريخية. فنرى أنّ الرب حفظ الذين حفظوا وصاياه وترك الذين تركوها. ونرى إتمام وعد الرب لداود (١صموئيل ٧: ١٢ - ١٦) أنه يقيم نسله أي سليمان ويثبت كرسي داود إلى الأبد. فوفقاً لهذه الغاية تكلم في سليمان بالتفصيل وكذلك في إقامة عبادة العجلين في دان وبيت إيل ودخول عبادة البعل في زمان أخاب والنبي إيليا وأليشع وإبادتها عن يد ياهو والإصلاح عن يد حزقيا ويوشيا. والمؤلف يترك أموراً كثيرة مهمة لأنها لم توافق غايته.
كان سفرا صموئيل سفراً واحداً وسفرا الملوك سفراً واحداً في الأصل العبراني. وفي الترجمة السبعينية التي تمت ما بين ١٠٠ و٢٠٠ سنة قبل المسيح قُسم سفر صموئيل إلى سفرين وسفر الملوك إلى سفرين وسُميت الملوك الأول والثاني والثالث والرابع. وقُبل هذا التقسيم في الترجمة اللاتينية التي ترجمها جيروم نحو ٤٠٠ سنة بعد المسيح. ودخل في التوراة العبرانية في السنة ١٥١٨. كان تأليفهما بعد سنة ٥٦١ ق. م. لأن في هذه السنة مَلَك أويل مردوخ المذكور في (٢ملوك ٢٥: ٢٧ - ٣٠) وكان قبل الرجوع من السبي لأن لا إشارة في السفرين إليه. والمظنون من نَفَس السفرين أن تأليفهما كان قبل الرجوع بزمان وربما كان نحو السنة ٥٦٠ ق. وكان تأليف بعضهما قبل ذلك التاريخ. أما الغاية من تأليف السفرين إنهما يذكران ملوك يهوذا وإسرائيل وحروبهم وأعمالهم على نسق تاريخي. ولكن قصد المؤلف الأهم بيان الفوائد الروحية في هذه الحوادث التاريخية. فنرى أنّ الرب حفظ الذين حفظوا وصاياه وترك الذين تركوها. ونرى إتمام وعد الرب لداود (١صموئيل ٧: ١٢ - ١٦) أنه يقيم نسله أي سليمان ويثبت كرسي داود إلى الأبد. فوفقاً لهذه الغاية تكلم في سليمان بالتفصيل وكذلك في إقامة عبادة العجلين في دان وبيت إيل ودخول عبادة البعل في زمان أخاب والنبي إيليا وأليشع وإبادتها عن يد ياهو والإصلاح عن يد حزقيا ويوشيا. والمؤلف يترك أموراً كثيرة مهمة لأنها لم توافق غايته.
من فوائد هذين السفرين الشهادة لما أتى في أسفار سابقة فإنه على فم شاهدين أو أكثر يثبت الكلام كشهادة البشائر الأربع بعضها لبعض. وليس هذان السفران تكراراً لأخبار سابقة فقط بل فيهما خصوصية. ومما يمتازان به عن سائر الأسفار: أولاً: الاعتبار للهيكل وفرائض الدين وخدامه. انظر نسب اللاويين للكهنة بالتفصيل (١أيام ص ٦) وذكراً خصوصاً للكهنة واللاويين في نبإ إصعاد التابوت (ص ١٥) وذكر فرق اللاويين بالتفصيل (ص ٢٣ إلى ص ٢٦) ووصايا داود لسليمان بشأن بناء الهيكل والتقادم من داود والرؤساء (ص ٢٨ و٢٩) والتجاء الكهنة واللاويين إلى رحبعام بعد انقسام المملكة (٢أيام ١١: ٥ - ٢٣) وإقامة يهوشافاط اللاويين والكهنة للقضاء (١٩: ٨ - ١١) ومحاربة يهوشافاط الموآبيين وبني عمون وانتصاره عليهم بعدما قام اللاويون ليسبحوا الرب (ص ٢٠) وقتل زكريا الكاهن (٢٤: ١٥ - ٢٢) ومقاومة عزريا الكاهن ومعه ثمانون من كهنة الرب لعزيا الملك حينما دخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور (٢٦: ١٦ - ٢١) وفصح حزقيا وإقامته فرق الكهنة واللاويين للمحرقات والذبائح وتنظيمه التقدمات والأقداس تحت إدارة اللاويين (ص ٣٠ و٣١). ثانياً: مما امتاز به سفرا أخبار الأيام جداول الأنساب من آدم إلى زمان السبي (١أيام ص ١ - ٩) وذكر الأسماء بالتدقيق. ومن أمثلة ذلك أسماء أبطال الجيش (١أيام ١١: ٢٦ - ٤٧) والذين جاءوا إلى داود إلى صقلغ (١٢: ١ - ١٤) وأبناء داود (١٤: ٤ - ٧) ورؤساء اللاويين (١٥: ٥ - ١١ و١٧ - ٢٤) والوزراء (١٨: ١٥ - ١٧) ورؤساء فرق الكهنة (٢٤: ٧ - ١٨) والمعيّنين لأجل غناء بيت الرب (٢٥: ٩ - ٣١) والبوابين (٢٦: ١٤ - ١٩) والذين خدموا الملك (٢٧: ٢ - ١٥) ورؤساء الأسباط (٢٧: ١٦ - ٢٢) والذين على الخزائن (٢٧: ٢٥ - ٣١) ورؤساء يهوشافاط (٢أيام ١٧: ٧ - ١٨) والرؤساء الذين كانوا مع يهوياداع (٢٣: ١) ورؤساء بني أفرايم (٢٨: ١٢) ورؤساء اللاويين في زمان حزقيا (٢٩: ١٢ - ١٤) والذين أتوا بالتقادم والأقداس في زمان حزقيا (٣١: ١٢ - ١٥) وفي زمان يوشيا (٣٤: ١٢) ورؤساء اللاويين في زمان يوشيا (٣٥: ٩). وربما كانت الغاية في ذكر هؤلاء بالتفصيل بيان الذين لهم حق الخدمة في الهيكل (عزرا ٢: ٦١ - ٦٣) وللملك وتحريض شعب اليهود على الغيرة لجنسهم ودينهم وانفصالهم عن الأمم وتحريضهم على الأمانة في الخدمة ليكون لهم أفراداً ذكر أبدي في سفر الرب وحفظ النسب حتى يأتي المسيح من نسل داود الذي فيه تتم المواعيد. ثالثاً: امتاز هذان السفران في بيان التعليم الروحي المتضمن في الأخبار التاريخية. لا يخفى أن هذا التعليم في أسفار صموئيل والملوك ولكنه في أخبار الأيام أوضح. ومن أمثلة ذلك صلاة يعبيص «لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي، وَتُوَسِّعُ تُخُومِي، وَتَكُونُ يَدُكَ مَعِي، وَتَحْفَظُنِي مِنَ ٱلشَّرِّ» (١أيام ٤: ١٠) وانتصار بني رأوبين والجاديين لأنهم صرخوا إلى الله في القتال فاستجاب لهم لأنهم اتكلوا عليه (٥: ٢٠) وسبيهم لأنهم خانوا إله آبائهم ... فنبه إله إسرائيل روح فول ملك أشور... فسباهم (٥: ٢٥ و٢٦) وسبى إسرائيل بالإجمال لأجل خيانتهم (٩: ١) وبيان أسباب سقوط شاول وموته فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه وأيضاً لأجل استشارته الجان وعدم استشارته الرب فحوّل المملكة إلى داود (١٠: ١٣ و١٤). وهكذا تاريخ داود وسليمان ورحبعام وجميع الملوك فإنه يمثل لنا مجازاة الرب العادلة إذ يبارك خائفيه ويسلم مخالفي وصاياه إلى أعدائهم وإلى الهلاك والدمار. والكاتب لا يترك القارئ ليستنتج هذه النتائج بل يذكرها ويوضحها فلا يمكن القارئ إهمالها.
من فوائد هذين السفرين الشهادة لما أتى في أسفار سابقة فإنه على فم شاهدين أو أكثر يثبت الكلام كشهادة البشائر الأربع بعضها لبعض. وليس هذان السفران تكراراً لأخبار سابقة فقط بل فيهما خصوصية. ومما يمتازان به عن سائر الأسفار: أولاً: الاعتبار للهيكل وفرائض الدين وخدامه. انظر نسب اللاويين للكهنة بالتفصيل (١أيام ص ٦) وذكراً خصوصاً للكهنة واللاويين في نبإ إصعاد التابوت (ص ١٥) وذكر فرق اللاويين بالتفصيل (ص ٢٣ إلى ص ٢٦) ووصايا داود لسليمان بشأن بناء الهيكل والتقادم من داود والرؤساء (ص ٢٨ و٢٩) والتجاء الكهنة واللاويين إلى رحبعام بعد انقسام المملكة (٢أيام ١١: ٥ - ٢٣) وإقامة يهوشافاط اللاويين والكهنة للقضاء (١٩: ٨ - ١١) ومحاربة يهوشافاط الموآبيين وبني عمون وانتصاره عليهم بعدما قام اللاويون ليسبحوا الرب (ص ٢٠) وقتل زكريا الكاهن (٢٤: ١٥ - ٢٢) ومقاومة عزريا الكاهن ومعه ثمانون من كهنة الرب لعزيا الملك حينما دخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور (٢٦: ١٦ - ٢١) وفصح حزقيا وإقامته فرق الكهنة واللاويين للمحرقات والذبائح وتنظيمه التقدمات والأقداس تحت إدارة اللاويين (ص ٣٠ و٣١). ثانياً: مما امتاز به سفرا أخبار الأيام جداول الأنساب من آدم إلى زمان السبي (١أيام ص ١ - ٩) وذكر الأسماء بالتدقيق. ومن أمثلة ذلك أسماء أبطال الجيش (١أيام ١١: ٢٦ - ٤٧) والذين جاءوا إلى داود إلى صقلغ (١٢: ١ - ١٤) وأبناء داود (١٤: ٤ - ٧) ورؤساء اللاويين (١٥: ٥ - ١١ و١٧ - ٢٤) والوزراء (١٨: ١٥ - ١٧) ورؤساء فرق الكهنة (٢٤: ٧ - ١٨) والمعيّنين لأجل غناء بيت الرب (٢٥: ٩ - ٣١) والبوابين (٢٦: ١٤ - ١٩) والذين خدموا الملك (٢٧: ٢ - ١٥) ورؤساء الأسباط (٢٧: ١٦ - ٢٢) والذين على الخزائن (٢٧: ٢٥ - ٣١) ورؤساء يهوشافاط (٢أيام ١٧: ٧ - ١٨) والرؤساء الذين كانوا مع يهوياداع (٢٣: ١) ورؤساء بني أفرايم (٢٨: ١٢) ورؤساء اللاويين في زمان حزقيا (٢٩: ١٢ - ١٤) والذين أتوا بالتقادم والأقداس في زمان حزقيا (٣١: ١٢ - ١٥) وفي زمان يوشيا (٣٤: ١٢) ورؤساء اللاويين في زمان يوشيا (٣٥: ٩). وربما كانت الغاية في ذكر هؤلاء بالتفصيل بيان الذين لهم حق الخدمة في الهيكل (عزرا ٢: ٦١ - ٦٣) وللملك وتحريض شعب اليهود على الغيرة لجنسهم ودينهم وانفصالهم عن الأمم وتحريضهم على الأمانة في الخدمة ليكون لهم أفراداً ذكر أبدي في سفر الرب وحفظ النسب حتى يأتي المسيح من نسل داود الذي فيه تتم المواعيد. ثالثاً: امتاز هذان السفران في بيان التعليم الروحي المتضمن في الأخبار التاريخية. لا يخفى أن هذا التعليم في أسفار صموئيل والملوك ولكنه في أخبار الأيام أوضح. ومن أمثلة ذلك صلاة يعبيص «لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي، وَتُوَسِّعُ تُخُومِي، وَتَكُونُ يَدُكَ مَعِي، وَتَحْفَظُنِي مِنَ ٱلشَّرِّ» (١أيام ٤: ١٠) وانتصار بني رأوبين والجاديين لأنهم صرخوا إلى الله في القتال فاستجاب لهم لأنهم اتكلوا عليه (٥: ٢٠) وسبيهم لأنهم خانوا إله آبائهم ... فنبه إله إسرائيل روح فول ملك أشور... فسباهم (٥: ٢٥ و٢٦) وسبى إسرائيل بالإجمال لأجل خيانتهم (٩: ١) وبيان أسباب سقوط شاول وموته فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه وأيضاً لأجل استشارته الجان وعدم استشارته الرب فحوّل المملكة إلى داود (١٠: ١٣ و١٤). وهكذا تاريخ داود وسليمان ورحبعام وجميع الملوك فإنه يمثل لنا مجازاة الرب العادلة إذ يبارك خائفيه ويسلم مخالفي وصاياه إلى أعدائهم وإلى الهلاك والدمار. والكاتب لا يترك القارئ ليستنتج هذه النتائج بل يذكرها ويوضحها فلا يمكن القارئ إهمالها.
وينقسم سفر عزرا إلى قسمين: (١) الخبر برجوع بعض اليهود من بابل بقيادة زربابل وإقامة الخدمة الدينية في أورشليم وبناء الهيكل على رغم مقاومة السامريين (ص ١ - ٦) (٢) الخبر برجوع جماعة ثانية من المسبيين بقيادة عزرا وفصل النساء الأجنبيات عن رجالهن (ص ٧ - ١٠). ولغة السفر اللغة الآرامية من (٤: ٨ إلى ٦: ١٨ و٧: ١٢ - ٢٦) لأن في هذه الآيات خلاصة أوراق قانونية مختصة بالحكومة لأن اللغة الآرامية كانت لغة المفاوضات السياسية بين مملكة فارس وعبر النهر أي ما كان إلى جهة الغرب من نهر الفرات. وباقي السفر كتب باللغة العبرانية وبين القسم الأول والقسم الثاني من السفر مدة ٥٧ سنة. ولهذا السفر اعتبار خصوصي لأن فيه خبر الرجوع من السبي وإقامة أسوار أورشليم وبناء الهيكل وتجديد الخدمة الدينية. والأسفار التي تاريخها بعد الرجوع من السبي هي عزرا ونحميا كسفر واحد بناء على قربهما الواحد إلى الآخر في الموضوع والزمان.
لهذا السفر أهمية (١) لأنه آخر أسفار العهد القديم التاريخية فهو تكملة لتاريخ اليهود (٢) لأنه يخبر بناء الهيكل الثاني وترميم أسوار أورشليم وتجديد نظام اليهود الديني (٣) لأنه يصف لنا صفات نحميا الحميدة ومنها اتكاله على الرب في كل أمر عظيماً كان أم زهيداً واتكاله أيضاً على نفسه ونشاطه وشجاعته في العمل. وكان ذكياً وفهيماً وكان بسيطاً أيضاً ومخلصاً للغاية.
إننا لا نعرف من هو المؤلف. ويظن بعضهم أنه عزرا وغيرهم أنه مردخاي. والأرجح أن تأليف السفر كان بعد أيام الملك أحشويروش بقليل من الزمان وكان المؤلف في بلاد الفرس وجمع بعض أخباره من سجلات الحكومة (١٠: ٢) ولعل المؤلف وجد في هذه السجلات ما كان مردخاي وأستير قد كتباه وفصّلاه. من فوائد هذا السفر (١) صورة امرأة فاضلة وهي قدوة ليس للنساء فقط بل أيضاً لجميع الناس. فكانت أستير طاهرة وأمينة لزوجها وطائعة لمردخاي مربيها وغيورة لشعبها اليهود وشجاعة فخاطرت بنفسها لتخلص شعبها. وكانت متواضعة مع أنها ملكة وفاقت كل النساء في جمالها وذكائها. (٢) التعليم عن عناية الله (وإن لم يُذكر صريحاً) لأنه حفظ شعبه من الهلاك وأقام لهم مخلصين عند الضيق الشديد وأمال قلب الملك إليهم وجعل الأشياء كلها تعمل معاً لهذه الغاية. (٣) يختلف هذا السفر عن غيره من الأسفار المقدسة ليكون في الكتاب المقدس ما يوافق جميع القراء على اختلاف أنواعهم.
إن أساس سفر أيوب حادثة حقيقية أي أنه كان رجل اسمه أيوب وهو رجل صالح وأصابته مصائب كما ذُكر واحتملها بصبر فصار مثالاً لجميع المصابين. ثم قام شاعر لا نعرف اسمه ولا زمانه ونظم من هذه الحادثة الحقيقية رواية شعرية مرتبة حسب قوانين الشعر والروايات. وتلك الرواية نعتبرها الآن كأحد الأسفار المقدسة القانونية وإن كنا لا نعرف اسم المؤلف.
المزامير بلا مراء من أجمل أسفار الكتاب المقدس وقلما تضارعها الأسفار الأخرى بالأهمية وسمو التعاليم والأفكار وعمقها. وهي توحد بين القديم والجديد لا سيما وإن السيد المسيح كان يأخذ الكثير من اقتباساته من هذا السفر الجليل. وتسمى بالعبرانية «تهاليم» أي تهاليل من كلمة هلل التي منها هللويا الشهيرة في كل اللغات ومعناها سبحوا الرب. فتهاليم أي تسابيح أو ترانيم أو تراتيل وما أشبه ألفت ورنمت خلال قرون طويلة وجرت على الألسنة قبل أن تُكتب. وفي أصل معنى الكلمة الشكر والاعتراف بالجميل. ويمكننا أن نقول إن هذه المزامير قد استعملت في خدمة العبادة في الهيكل قديماً للترنم بها أو قراءتها بالتبادل أو بصورة اعتيادية لأجل التأملات الروحية والصلوات الانفرادية.
يُظن أن سفر الجامعة كُتب منذ نحو ٤٠٠ سنة ق. م. في زمان مملكة فارس أو بعده قليلاً وكان ذلك الزمان زمان ظلم وانحطاط الشعب وزماناً بلا رجاء كأن الله كان رفض شعبه وترك العالم ليهلك بشرّه. وموضوع السفر متضمن في الجملة المكررة «باطل الأباطيل الكل باطل» والكاتب جمع من اختباره ومن اختبار سليمان فوائد مختلفة في هذا الموضوع. وتأثير السفر في القارئ هو اليأس أكثر من الرجاء وفائدة السفر هي أن الإنسان لا يجد في خيرات هذا العالم مهما كثرت لذة حقيقية ولا ما يشبع النفس فعليه أن يقبل بالشكر كل ما يعطيه الله وبالصبر كل ما يصيبه من البلايا ويطلب فرحه في حفظ وصايا الله ويثبت في إيمانه بالله وإن كان لا يقدر أن يفهم كل ما يعمله في العالم وموضوع السفر يشبه موضوع سفر أيوب.
هو رواية فيها ثلاثة مشخصين متقدمين وهم شولميث والراعي وسليمان. ولعل في الرواية إشارة إلى نبإ أبيشج الشونمية الجميلة التي طلبها أدونيا أخو سليمان بعد موت داود فغضب سليمان وأمر بقتل أدونيا وربما سليمان أراد أن يأخذها لنفسه (انظر ١ملوك ص ١ و٢) وكانت شولميث جملية جداً وأحبها راعي من أهل قريتها وأحبها أيضاً سليمان الملك وأراد أن يأخذها ولكنها رفضت الملك رغماً عن غناه ومجده وكلامه الفصيح وثبتت في محبتها للراعي. ومن فوائد السفر (١) لغته الجميلة الفصيحة الشعرية (٢) وصف المحبة الطاهرة الحقيقية كمحبة راعوث لحماتها ومحبة استير لشعبها (٣) فضل الزواج بامرأة واحدة بخلاف كثرة النساء كما في حريم سليمان (٤) فضل العيشة البسيطة في القرية بخلاف العيشة المرفهة والشهوانية في قصر الملك (٥) مثال المحبة المتبادلة بين الله وشعبه وبين المسيح والمؤمنين أفراداً (انظر إشعياء ٤٩: ١٤ - ٢١ و٦٢: ١ - ٥ وإرميا ٢: ٢ وهوشع ٢: ١٤ - ٢٣ و١١: ٨ و٩ ويوحنا ٣: ٢٩ و٢كورنثوس ١١: ٢ وأفسس ٥: ٢٢ - ٣٢ ورؤيا ٢١: ٢).
القصد من نبوءة إشعياء: كشف خطايا شعب اليهود على نوع خاص وتوبيخهم عليها وآثام أسباط إسرائيل العشرة ورجاسات شعوب وبلاد شتى من بلاد الأمم والإنذار بحلول قضاء شديد على كل صنف ورتبة منهم يهوداً وأمماً. دعوة البشر من كل رتبة وحالٍ يهوداً وأمماً إلى التوبة والإصلاح بواسطة مواعيد كثيرة بالصفح والرحمة. ومما يستحق الاعتبار أن نصوصه على الانتقام الإلهي من بابل لا يتخلله مواعيد كالتي وردت في تهديداته لسائر الشعوب. تعزية الأتقياء بالحق بواسطة مواعيد بالمسيح نبوية واضحة جداً كأنها تاريخ. ومن ذلك ما ورد من سجاياه الباهرة وعجائبه وفضائله ورفض اليهود إياه وآلامه بسبب خطايانا وموته ودفنه وغلبته على الموت. ومجده الأخير وتأسيس ملكوته ونموه وامتداده إلى الكمال وكل ذلك دليل على صدق الإنجيل جليٌّ قاطع.
معنى الاسم هوشع يهوه معين كالاسم يشوع والاسم يسوع. قيل إنه تنبأ في أيام عزيا وفي أيام حزقيا أيضاً فكانت مدة خدمته النبوية ٢٠ سنة أقل ما يكون والبعض يقولون ٦٠ سنة. ملك يربعام الثاني ٤١ سنة وفي زمانه ازدهت مملكة إسرائيل وأما الشعب فاستولى عليهم الكسل وطلب الراحة والكبرياء والظلم وعبادة الأوثان والرفاهية (انظر عاموس ٢: ٦ - ١٦ و٦: ٣ - ٦ و٨: ٤ - ٦) وبعد موت يربعام كان تشويش وانحطاط حتى سقطت المملكة إذ استولى عليها الأشوريون. وكان من وظيفة هوشع أن يظهر للشعب عظمة خطاياهم وعقابها الهائل. وأعظم خطاياهم والخطية التي نتج منها جميع الشرور هي تركهم الرب الذي كان اختارهم وأحبهم ولم يزل يحبهم. واستعداداً لهذه الخدمة أخذ هوشع بأمر الرب امرأة زنى (١: ٢) لكي يختبر في أموره البيتية ما يرمز إلى خطية إسرائيل بتركهم الرب ومحبته الأبدية لشعبه فكان كلام هوشع من قلبه كلاماً مؤثراً وبالحزن والمحبة.
لا نعرف شيئاً عن هذا النبي إلا المدّون في نبوته. وأبوه فثوئيل ليس معروفاً. والأرجح أن النبي سكن أورشليم لأنه يذكر أورشليم ويهوذا ولا يذكر المملكة الشمالية (٣: ١ و٦ و١٦ و١٧) خاطب الكهنة (٢: ١٧) فنستنتج أنه لم يكن كاهناً. والأرجح أن تاريخ النبوة في القرن الرابع قبل المسيح في زمان بطلميوس والدولة السلوقية فكانت هذه النبوة وقسم من نبوة زكريا ونبوة يونان آخر أسفار العهد القديم. وهذا الرأي مبني على ما يأتي ذكر صور وصيدون ودائرة فلسطين والياوانيين (أي اليونانيين) والسبائيين ومصر وأدوم بلا ذكر الآراميين والأشوريين والكلدانيين وبلا ذكر المملكة الشمالية (وانظر ما في ٢: ١٩) «لاَ أَجْعَلُكُمْ أَيْضاً عَاراً بَيْنَ ٱلأُمَمِ» وفي (٣: ٢) «مِيرَاثِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ بَدَّدُوهُمْ بَيْنَ ٱلأُمَمِ وَقَسَمُوا أَرْضِي». والنبوة لا تذكر عبادة الأصنام بل تذكر خدمة العبادة في الهيكل وتذكر كهنة وشيوخاً ولا تذكر ملكاً. فهذه العبارات تدل على زمان بعد الرجوع من السبي. وبجمال التصورات وفصاحة الكلام تشبه هذه النبوة نبوات إشعياء وحبقوق.
إن نبوءة عاموس هي الأولى من الأسفار النبوية وتاريخها نحو ٧٥٣ ق م في زمان عزيا ملك يهوذا ويربعام الثاني ملك إسرائيل. وتقوع مدينة ليهوذا قريبة من بيت لحم وإلى الجنوب الشرقي من أورشليم وتدعى الآن تقوعة. وبناها رحبعام (انظر ٢ أيام ١١: ٦) أي جدد بناءها وحصنها فإنها كانت موجودة في زمان داود (انظر ٢صموئيل ١٤: ٢) وموقعها في طرف البلاد الشرقي ومشرفة على برية اليهودية ولم تكن قرى مسكونة بينها وبين بحر لوط. ومنها نزلة نحو ٤٠٠٠ قدم إلى بحر لوط. وجوار تقوع أي برية تقوع (انظر ٢أيام ٢٠: ٢٠) لا تصلح إلا لرعي الغنم وغنمها صغير ونحيف وغير جميل ولكن صوفه جيد ومرغوب. والجميز (٧: ١٤) لا يوجد إلا في بعض الوديان الواطئة إلى جهة الشرق. وفي تلك البلاد المقفرة تربى عاموس واستعد لوظيفته كما استعد موسى في أرض مديان وداود في أرض بيت لحم وإيليا في جلعاد ويوحنا المعمدان في برية اليهودية وبولس في العربية. فإن أهل المدن ينظرون إلى ما هو قريب ويهتمون بما للجسد وأما أهل البادية فإلى أرض واسعة وجبال عالية وإلى السموات التي تحدث بمجد الله ولا تسد أصوات العالم آذانهم عن صوت الله في قلوبهم ولا تُلهيهم لذات العالم وهمومه عن التأمل في الروح ات. لا نرى في هذه النبوة لغة رجل بسيط بل فصاحة الكلام وإتقان الترتيب. ونستنتج أن عاموس كان يتردد إلى مدن إسرائيل لأجل بيع الصوف فكان يسمع الحديث ويلاحظ الأمور السياسية والدينية وتأثر مما رآه فيها من الشرور والانحطاط. وكان الزمان زمان نجاح زمني. فكان عزيا ملك يهوذا غنياً وقوياً «وَٱمْتَدَّ ٱسْمُهُ إِلَى مَدْخَلِ مِصْرَ» (٢أيام ٢٦: ٨) وكان له ماشية وفلاحون وكرامون وبنى أبراجاً ونظم جيشاً. وكان يربعام ملك إسرائيل مقتدراً في الحرب ورد تخم إسرائيل من مدخل حماه إلى بحر العربة وبيده خلّص الرب شعبه إسرائيل (انظر ٢ملوك ١٤: ٢٥) ولكن كان زمان ظلم وفساد ورياء وتمسك بطقوس الدين وترك جوهره (انظر إشعياء ٥: ٨ - ٢٣) وعاموس كلوط كان يعذّب نفسه البارة ما نظره وسمعه من سيرة الأردياء فشهد عليهم وكلمهم بكلام الرب بلا خوف. والأرجح أنه كتب نبوته بعدما رجع إلى بلاده.
لا نعرف شيئاً عن النبي عوبديا إلا المذكور في نبوته. ومعنى الاسم عبد الله. ويذكر الكتاب المقدس ١٣ شخصاً بهذا الاسم. ولا يقتبس كتاب العهد الجديد من هذه النبوة. ومضمونها أولاً انتقام الرب من أدوم من أجل ظلمهم لإسرائيل يوم سبيهم ومجيء يوم الرب على كل الأمم ونجاة شعب الله ورجوع الملك لهم. ويقول البعض أن سبي يهوذا ودخول الأجانب أبواب أورشليم المشار إليه في (ع ١١) كان في أيام يهورام ملك يهوذا (انظر ٢أيام ٢١: ١٦ و١٧) نحو سنة ٨٥٠ ق م. والأرجح أنه كان عند سقوط أورشليم الأخير (انظر ٢ملوك ٢٥: ٨ - ١٠) من الكلدانيين نحو سنة ٥٨٦ ق م فتنبأ عوبديا بعد ذلك وقبل سقوط أدوم أي نحو ٥٨٣ ق م.
الأرجح أن يونان هو المذكور في (٢ملوك ١٤: ٢٥) الذي تنبأ في أيام يربعام الثاني برد تخم إسرائيل إلى مدخل حماة وإلى بحر العربة. وهو من جت حافر في زبولون بقرب بحر طبرية. ولا يوجد غيره بهذا الاسم ولا غير أبيه باسم أمتاي. والأرجح أن يونان هذا هو كاتب هذا السفر مع أن الكلام في صيغة الغائب لا بصيغة المتكلم.
الاسم ميخا اختصار «مي كايهو» ومعناه «من مثل يهوه» وربما أشار النبي إلى معنى اسمه بقوله (٧: ١٨) من هو إله مثلك.
لا نعرف عن ناحوم إلا المذكور بنبوته ولا نعرف وطنه القوش. قال أحد آباء الكنيسة في القرن الرابع بعد المسيح «إن ناحوم كان من القوش وراء بيت جبر من سبط شمعون» وبيت جبر هي بيت جبرين الحالية إلى جهة الجنوب الغربي من أورشليم وعلى بعد نحو ٢٥ ميلاً منها. وتاريخ النبوة هو بين ٦٢٥ و٦١٠ ق م ونبوة ناحوم تشبه نبوة يونان بما أن موضوعها نينوى وتختلف عنها لأن ليس فيها شيء من الرحمة نحو نينوى. وخطايا نينوى المذكورة في نبوة يونان هي الخطايا المذكورة في نبوة ناحوم. وكانت نينوى عاصمة مملكة أشور وهي مدينة عظيمة على ضفة نهر دجلة قبالة الموصل الحالية. وملوك أشور المذكورون في الكتاب هم فول وتغلث فلاسر وشملناسر وسرجون وسنحاريب وأسرحدون واسم الملك الأخير سنشار شكن وباليونانية سراقس وفي أيامه قام عليه الماديون فحاصروا مدينة نينوى ثلاث سنين ولم يقدروا عليها بسبب علو أسوراها ومتانتها وبالآخر فاضت مياه نهر دجلة وطمت وجرفت جانباً من الأسوار وسقطت المدينة وقيل أن الملك سراقس لما أيقن هلاكه جمع نساءه في قصره وشب فيه النار فاحترقن جميعهن وكان ذلك نحو سنة ٦٠٧ ق م وانتقلت السلطة إلى بابل وفي القرن التاسع عشر اكتشف بعض العلماء آثار نينوى فوجدوا تماثيل وصوراً كثيرة وكتابات تاريخية. والبعض من هذه التماثيل تشخص حيوانات مركبة من جسم ثور وجناحي نسر ورأس إنسان فتشير إلى القوة والسرعة والفهم. وتُذكر بهذه الكتابات أمور كثيرة توافق أخبار الكتاب المقدس وتساعد في تفسيره.
لا نعرف عن حبقوق شيئاً غير المذكور في نبوته. ومعنى الاسم «المعانق» لأنه كان كيعقوب يصارع الله بالصلاة. والنبوة على سبيل محاورة فيتكلم النبي ثم يجاوبه الرب. ويُظن أنه كان لاوياً وله خدمة التسبيح في الهيكل بناء على ما ورد في ٣: ١٩ «لِرَئِيسِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى آلاَتِي» والأرجح أنه تنبأ في ملك يهوياقيم وقبل سقوط أورشليم بنحو ١٥ سنة. وفي إرميا ص ٢٢ وصف أحوال مملكة يهوذا الروحية والأدبية وأعمال الملك الشريرة. قيل في إرميا ٢٢: ١٣ - ١٨ إنه بنى بيته بغير عدل وعلاليه بغير حق واستخدم صاحبه مجاناً ولم يعطه أجرته فإنه بنى لنفسه بيتاً وسيعاً وعيناه وقلبه ليست إلا على الخطف والدم الزكي ليسفكه وعلى الاغتصاب والظلم. وكما كان الملك هكذا كان عظماءه الظالمون. ومضمون النبوة يدل على أنها كانت قبل قدوم الكلدانيين بمدة قليلة (١: ٦) وموضوع السفر الأساسي مذكور في ٢: ٤ «ٱلْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا». بحث النبي في سلامة الأشرار وأتعاب الصالحين. وبعدما عجز عن معرفة هذا السر التجأ إلى الرب فوجد مطلوبه بإيمانه «فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلٰهِ خَلاَصِي» (٣: ١٨).
معنى الاسم صفنيا «يستره يهوه» وبخلاف العادة في الأنبياء فإن سلسلة نسبه مذكورة إلى الجيل الرابع والمظنون أن الغاية من ذلك البيان بأنه من نسل الملك حزقيا. وتنبأ في أيام يوشيا. كان يوشيا ابن ثماني سنين حين ملك وفي السنة الثامنة من ملكه ابتدأ يطلب الرب وفي السنة الثانية عشرة ابتدأ يطهر يهوذا وأورشليم من نجاسات عبادة الأصنام. وصفنيا يذكر بقية البعل (١: ٤) والساجدين على السطوح لجند السماء والحالفين بملكوم فالأرجح أنه تنبأ قبل ما ابتدأ يوشيا في إصلاح المملكة أي قبل السنة الثانية عشرة. والنبي يذكر بالاختصار أحكام الله من أيامه إلى انقضاء الدهر وكلامه الافتتاحي مبني على حادثة الطوفان (تكوين ٦: ٧) «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ ٱلأَرْضِ ٱلإِنْسَانَ ٱلَّذِي خَلَقْتُهُ: ٱلإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ الخ» ويشير إلى اليوم الأخير (٢بطرس ٣: ١٠) «تَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا» وقول المسيح (متّى ١٣: ١٤) «يَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ ٱلْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي ٱلإِثْمِ» و«المعاثر مع الأشرار» أي الأوثان والساجدين لها. ويبتدئ النبي من يهوذا وأورشليم (ع ٤) (انظر إرميا ٢٥: ١٧ - ٢٩) حيث النبي إرميا سقى الأمم من كأس سخط الرب مبتدئاً من أورشليم.
بعد رجوع اليهود من سبي بابل كان ثلاثة أنبياء وهم حجي وزكريا وملاخي ولعل حجي كان متقدماً في العمر بتاريخ نبوته لأنه في (٢: ٣) يذكر الهيكل الأول الذي هدم قبل تاريخ النبوة بنحو ٦٦ سنة. ومن أول النبوة إلى آخرها مدة نحو أربعة أشهر (١: ١ و٢: ١٠ و٢٠). وابتدأ زكريا في خدمته قبلما انتهي حجي. ولا شك أن حجي تكلم وعلّم أموراً كثيرة غير المذكورة في نبوته هذه المختصرة. ونَفَسه نَفَس واعظ وليس نَفَس شاعر وغايته أن يحرّض الشعب على بناء الهيكل. كان نداء كورش من جهة رجوع اليهود من بابل إلى بلادهم في سنة ٥٣٧. ولم يرجع جميعهم بل بقي أكثرهم في مملكة بابل حيث كان لهم بيوت وجنات وولد لهم بنون وبنات وجمعوا مالاً (انظر إرميا ٢٩: ٥ - ٧) وعدد الذين رجعوا كان ٤٢٣٦٠ (انظر عزرا ٢: ١ - ٧٠) ولم يكونوا فقراء وأكثرهم من سبطي يهوذا وبنيامين. وكان لهم رئيس ملة شيشبصر ورئيس روحي يهوشع.
معنى الاسم زكريا من يذكره الله. وفي العهد القديم ٢٩ شخصاً بهذا الاسم. وأتى جده عدو من بابل مع زربابل (نحميا ١٢: ٤ - ٦) والأرجح أن أباه برخيا مات شاباً ولم يتقلد وظيفة كاهن. وزكريا وحجي حرّضا الشعب على بناء بيت الرب (انظر عزرا ٥: ١ و٦: ١٤) (انظر تفسير حجي ١: ١). زكريا هذا ليس المذكور في (٢أيام ٢٤: ٢٠ - ٢٣ وفي متّى ٢٣: ٣٥) والأرجح أن القول «ابن برخيا» في (متّى ٢٣: ٣٥) ليس بالأصل بل هو زيادة تفسيرية من ناسخ. وتقسم نبوة زكريا إلى ثلاثة أقسام (١) رؤى (ص ١ - ٦) (٢) جواب النبي على أسئلة من الشعب (ص ٧ و٨) (٣) ذكر بعض الأمم الذين يقاومون شعب الله وغلبة شعب الله عليهم وإقامة ملكوت المسيح. و(الأصحاحات ٩ - ١٤) تختلف عما سبقها فيظن كثيرون من أحسن المفسرين أنها من مؤلف آخر وكُتبت بعد زمان زكريا. سيأتي كلام في ذلك في تفسير الأصحاح التاسع.
لا نعرف عن ملاخي إلا المذكور في نبوته ولا يوجد غيره بهذا الاسم في العهد القديم وربما ملاخي اختصار ملاخيا أي ملاك الرب أو مرسل الرب. ع ٣: ١ «هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي» فيظن البعض أن كاتب هذا السفر نبي مجهول اسمه ومعنى عنوان السفر «وحي كلمة الرب لإسرائيل عن يد من دعاه الرب مرسلي». وتقليد بعض اليهود أن عزرا هو الكاتب ومضمون السفر ونفسه يوافقان هذا الرأي ولكن لا يثبتانه.